وعندما ثار أهل المدينة على يزيد بعد مجزرة كربلاء، وأرادوا قتل الوالي ورجال الدولة من بني أمية، أخذ رجالهم بالهرب من المدينة، وبحثوا عمن يأوي نساءهم وأطفالهم، فآواهم الإمام زين العابدين عليه السلام وأطعمهم وسقاهم كعائلته، وحماهم حتى بلغهم مأمنهم! قال الطبري في تاريخه: 4 / 372: (وقد كان علي بن الحسين لما خرج بنو أمية نحو الشام (أي هربوا بسبب ثورة أهل المدينة عليهم) آوى إليه ثقل مروان بن الحكم وامرأته عائشة بنت عثمان بن عفان، وهي أم أبان بن مروان! وقد حدثت عن محمد بن سعد عن محمد بن عمر قال: لما أخرج أهل المدينة عثمان بن محمد من المدينة كلم مروان بن الحكم ابن عمر أن يغيب أهله عنده فأبى ابن عمر أن يفعل! وكلم علي بن الحسين وقال: يا أبا الحسن إن لي رحما وحرمي تكون مع حرمك فقال: أفعل، فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين، فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع). انتهى.
فالسماحة والبذل والنبل والشهامة وأخواتها من الصفات الإنسانية، خلق ودين في بني هاشم. والصفات المضادة للقيم الإنسانية طبع في بني أمية وقريش! وقد جسدت كربلاء أعلى الدرجات في هؤلاء، وأحط الدركات في أولئك!
* * وقبل كربلاء أيضا، كانت هذه الحادثة بين علي عليه السلام ومعاوية في صفين. فقد وصل جيش معاوية إليها قبل جيش علي عليه السلام، وماء الفرات في أرض صفين سهل التناول، بينما يصعب الاستقاء من غيرها لعمق مجرى النهر أو وعورته. ولذا بادر معاوية فحمى أماكن الورود ليمنع عليا عليه السلام وأنصاره منه، ليموتوا عطشا بظنه! وجرت بينهم مداولات فأصر معاوية على منعهم، فحمل جيش علي عليه السلام وحرروا الفرات، لكن عليا عليه السلام بذله لهم لأن الناس في الماء والكلأ والنار سواء!