لا تفسير لذلك إلا أن الله تعالى علم بعلمه المطلق أن قريشا على رغم فتح عاصمتها مكة وإخضاعها عسكريا، ما تزال تشكل في المستقبل القريب خطرا على أصل الإسلام، وأن بني أمية أقدر القبائل على قيادة قريش، وأن تسليم قبائل قريش قيادتها إلى سهيل بن عمرو السهمي، وأبي بكر التيمي، وعمر العدوي، ليس إلا حالة طارئة قصيرة تعود بعدها قيادتها إلى أمية!
وأن نقمة الصحابة والأمة على عثمان ليست إلا مقطعا قصيرا أيضا، بإمكان بني أمية أن يحتووه، أما طلحة والزبير وعائشة فلو نجحوا في إسقاط حكم علي عليه السلام وأخذوا الخلافة، فهم متناقضون عجولون، ليست لهم القدرة على قيادة قريش، وسرعان ما ينتهون ولا يكونون إلا كالزوج المحلل لرجوع الخلافة إلى بني أمية، كما كان حال سهيل وأبي بكر وعمر!
لذلك كانت وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام أن يستثمر نقمة الأمة على عثمان ويقاتل بني أمية على التأويل كما قاتلهم مع النبي صلى الله عليه وآله على التنزيل، وبذلك يتم بعث العهد النبوي مجددا ليبقى ماثلا في تاريخ الأمة وضميرها، حتى لو لم يتحقق لعلي عليه السلام النصر الكامل على قريش وأمية!
وهذا يفسر لنا تأكيدات أمير المؤمنين عليه السلام وأبرار الصحابة على أن بني أمية ما أسلموا ولكن استسلموا! وأنهم أصحاب مشروع خفي لتشويه شخصية النبي صلى الله عليه وآله وضرب أصل الإسلام! فقد كان عمار بن ياسر رحمه الله ينادي: (أيها الناس والله ما أسلموا، ولكنهم استسلموا وأسروا الكفر! فلما وجدوا أعوانا أظهروه)! (صفين لابن مزاحم ص 243، وشرح الأخبار: 2 / 157، وعلل الشرائع: 1 / 222).
وقد أخذ عمار ذلك من إمامه أمير المؤمنين عليه السلام الذي أخذ من النبي صلى الله عليه وآله، ففي نهج البلاغة: 3 / 16: (وكان عليه السلام يقول لأصحابه عند الحرب: لا تشتدن عليكم فرة بعدها كرة، ولا جولة بعدها حملة وأعطوا السيوف حقوقها، ووطئوا للجنوب مصارعها،