جواهر الكلام - الشيخ الجواهري - ج ١٣ - الصفحة ٧٢
منه أو من أحد الأئمة (عليهم السلام) يدفعها ظهور الفرق عند الأصحاب بينه وبين السهو، ولذا ردوا أخبار الثاني ولم يعمل بها أحد منهم عدا ما يحكى عن الصدوق وشيخه ابن الوليد والكليني وأبي علي الطبرسي في تفسير قوله تعالى (1): (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) وإن كان ربما يظهر من الأخير أن الإمامية جوزوا السهو والنسيان على الأنبياء في غير ما يؤدونه عن الله تعالى مطلقا ما لم يؤد ذلك إلى الاخلال بالعقل، كما جوزوا عليهم النوم والاغماء الذين هما من قبيل السهو، بخلاف أخبار الأول كما عن الشهيد في الذكرى الاعتراف به حيث قال: لم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة، بل عن صاحب رسالة نفي السهو وهو المفيد أو المرتضى التصريح بالفرق بين السهو والنوم، فلا يجوز الأول ويجوز الثاني، بل ربما يظهر منه أن ذلك كذلك بين الإمامية، كما عن والد البهائي (رحمه الله) في بعض المسائل المنسوبة إليه أن الأصحاب تلقوا أخبار نوم النبي (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة بالقبول، إلى غير ذلك مما يشهد لقبولها عندهم، كرواية الكليني والصدوق والشيخ وصاحب الدعائم وغيرهم لها، حتى أنه عقد في الوافي بابا لما ورد أنه لا عار في الرقود عن الفريضة موردا فيه جملة من الأخبار (2) المشتملة على ذلك معللة له بأنه فعل الله بنبيه (صلى الله عليه وآله) ذلك رحمة للعباد، ولئلا يعير بعضهم بعضا.
لكن ومع ذلك كله فالانصاف أنه لا يجترئ على نسبته إليهم (عليه السلام)، لما دل من الآيات والأخبار (3) كما نقل على طهارة النبي وعترته (عليهم الصلاة والسلام)

(١) سورة الأنعام الآية ٦٧ (٢) الوافي الجزء الخامس ص ١٥٣ (٣) وهي قوله تعالى المذكور في سورة الأحزاب الآية ٣٣: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وخبر عبد العزيز بن مسلم المروي في أصول الكافي ج ١ ص ١٩٨ الطبع الحديث، قال: " كنا مع الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأرادوا أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه السلام ثم قال: يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ إلى أن قال في ص ٢٠٠: الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب وإلى أن قال أيضا في ص ٢٠٣ فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن من الخطايا والزلل والعثار " وقوله عليه السلام في زيارة الجامعة الكبيرة المعروفة: " فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين وأعلى منازل المقربين وأرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق.. الخ " وخبر الحسن بن علي بن فضال المروي في عيون أخبار الرضا عليه السلام ج ١ ص ٢١٣ من الطبع الحديث عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: " للإمام علامات، يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأنقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويلد مختونا ويكون مطهرا، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين ولا يحتلم، وينام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثا، ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يرى له بول ولا غائط لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، ويكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم.. الخ " وخبر محمد بن الأقرع المروي في كشف الغمة ج ٣ ص ٣٠٢ الطبع الحديث في أحوالات أبي محمد العسكري عليه السلام عن كتاب الدلائل للحميري، قال: " كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الإمام هل يحتلم؟ وقلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب: الاحتلام شيطنة وقد أعاذ الله أولياءه من ذلك، فرد الجواب: الأئمة حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئا، قد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك " وخبر زرارة المروي في أصول الكافي ج ١ ص ٣٨٨ عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " للإمام عشر علامات يولد مطهرا مختونا، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثأب ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله كانت عليه وفقا وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه " وما رواه الكليني (قده) أيضا في الكافي ج ١ ص ٢٦١ عن عدة من الأصحاب منهم عبد الأعلى وأبو عبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي أنهم سمعوا أبا عبد الله عليه السلام يقول: " إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون.. الخ " وغيره مما أورده في علمه عليه السلام هناك وخبر بريد العجلي المروي في أصول الكافي أيضا ج ١ ص ١٩٠ قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " قال: نحن الأمة الوسطى ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه، قلت: قول الله عز وجل: " ملة أبيكم إبراهيم " قال: إيانا عني خاصة هو سماكم المسلمين من قبل في الكتب التي مضت وفي هذا القرآن ليكون الرسول عليكم شهيدا فرسول الله صلى الله عليه وآله الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عز وجل ونحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة ومن كذب كذبناه يوم القيامة " وخبر الحسن بن برة الأصم المروي في بصائر الدرجات الجزء الثاني الباب ١٧ الحديث ١٧ ص ٩٤ المطبوعة عام ١٣٨٠ عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " سمعته يقول: إن الملائكة لتتنزل علينا في رحالنا، وتنقلب على فرشنا، وتحضر موائدنا، وتأتينا في كل نبات في زمانه رطب ويابس وتقلب علينا أجنحته، وتقلب أجنحتها على صبياننا، وتمنع الدواب أن تصل إلينا، وتأتينا في وقت كل صلاة لتصليها معنا، وما من يوم يأتي علينا ولا ليل إلا وأخبار أهل الأرض عندنا، وما يحدث فيها.. الخ " وفي عيون الأخبار ج؟ ص ٢١٣ الباب ١٩ الحديث ٢ " إن الإمام مؤيد بروح القدس الخ " وخبر أبي بصير المروي في بصائر الدرجات الجزء التاسع الباب ١٦ الحديث ١ ص ٤٥٥ قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك عن قول الله تبارك وتعالى: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور " قال: يا أبا محمد خلق والله أعظم من جبرائيل وميكائيل، وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة عليهم السلام يخبرهم ويسددهم " ونحوه مذكور هناك وخبر جابر المروي في بصائر الدرجات أيضا الجزء التاسع الباب ١٥ الحديث ١٢ ص ٤٥٤ قال: " قال أبو جعفر عليه السلام: إن الله خلق الأنبياء والأئمة عليهم السلام على خمسة أرواح: روح القوة وروح الايمان وروح الحياة وروح الشهوة وروح القدس، فروح القدس من الله، وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان، فروح القدس لا يلهو ولا يتغير ولا يلعب، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلى ما تحت الثرى " وخبر مفضل ابن عمر المروي في بصائر الدرجات في الموضع المشار إليه الحديث 3 قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره، فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل للنبي صلى الله عليه وآله خمسة أرواح: روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الايمان فبه أمر وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة، فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار في الإمام عليه السلام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو، وروح القدس ثابت يرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرها وبحرها، قلت: جعلت فداك يتناول الإمام عليه السلام ما ببغداد بيده؟ قال: نعم وما دون العرش " إلى غير ذلك مما ورد في الموارد المشار إليها وغيرها في أوصافهم عليهم السلام.
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست