الفصول في الأصول - الجصاص - ج ١ - الصفحة ١٨٨
يدل على كذب هذا القائل وقلة دينه (1) وأما قوله ان هذا الحديث خلاف ما تضمنه قوله تعالى تجدوا ماء فتيمموا (2) فليس كذلك لأن الآية أوجبت التيمم عند عدم كل جزء من ماء لأن قوله ماء لفظ منكور يتناول كل جزء منه على الانفراد سواء كان منفردا بنفسه أو مخالطا لغيرة ولا يمتنع أحد أن يقول في نبيذ التمر ماء فجاء الخبر موافقا لمنى الظاهر غير مخالف له وعلى انه ليس في قبول خبر الوضوء بنبيذ التمر تخصيص لعموم ولا ظاهر لأن الله تعالى قال فاغسلوا ولم يقل بماذا والحال التي يجب فيها استعمال الماء ونبيذ التمر غير مذكور بلفظ عموم فإنما ورد الخبر في تبقية حكم الماء الذي تضمنته الآية وذكر حديث القهقهة فقال وقد قال الله عز وجل تبطلوا أعمالكم (5) فأبطل (6) طهارته (7) بحديث أبي العالية الرباحي (1) وحديثه زعم كالرياح (2)

(١) لا داعي لهذا التشنيع على الخصم ووصفه بالنباذ لا يضيره ولا يضعفه إذ هو حتما محمول على النبيذ المعهود وهو القاء شئ من التمر في الماء لتخرج حلاوته إلى الماء، ولا يحمل على النبيذ المشدتد الذي يقذف بالزبد فإنه محرم قطعا ولا يعقل ان يوصف به أبو فزارة.
(٢) الآية ٤٣ من سورة النساء و ٦ من سورة المائة. وفي د إضافة " صعيدا ".
(٣) لفظ ح " والنبيذ ".
(٤) لفظ د " وقال ".
(٥) الآية ٣٣ من سورة محمد.
(٦) لفظ ح " قابطل ".
(٧) اختلف العلماء في الضحك في الصلاة إن كان يقهقهه، فذهب الشافعية وجمهور العلماء أنه لا ينقض الوضوء، وبه قال ابن مسعود وجابر وأبو موسى الأشعري وهو قول جمهور التابعين فمن بعدهم.
فقد روي جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء، وروي حديث جابر مرفوعا وموقوفا على جابر ورفعه ضعيف، قال البيهقي وغيره، الصحيح أنه موقوف على جابر وذكره البخاري في صحيحه عن جابر موقوفا عليه ذكره تعليقا، وروي البيهقي عن أبي الزناد قال أدركت من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبا بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وسليمان بن يسار ومشيخة جلة سواهم يقولون: الضحك في الصلاة ينقضها ولا ينقض الوضوء، قال البيهقي وروينا نحوه عن عطاء والشعبي والزهري، وحكاه أصحابنا عن مكحول ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود.
وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة ينقض الوضوء، وعن الأوزاعي روايتان وأجمعوا ان الضحك إذا لم يكن قهقهة لا يبطل الوضوء وعلى أن القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء.
واحتجوا بما روي عن أبي العالية الرياحي والحسن البصري ومعبد الجهني وإبراهيم النخعي والزهري ان رجلا أعمى جاء والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة فتردي في بئر، فضحك طوائف من الصحابة، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ضحك ان يعيد الوضوء والصلاة.
وعن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الضحك في الصلاة قرقرة يبطل الصلاة والوضوء " ولأنها عبادة يبطلها الحديث فأبطلها الضحك كالصلاة.
والذي نرجحه: عدم نقض الوضوء بالقهقهة لحديث جابر، ولأن الضحك - كما قالوا - لو كان ناقضا لنقض في الصلاة وغيرها كالحديث، ولأنها صلاة شرعية فلم ينقض الضحك، فيها الوضوء كصلاة الجنازة فقد وافق عليها الخصوم والمعتمد ان الطهارة صحيحة، ونواقض الوضوء محصورة فمن ادعى زيادة فليثبتها ولم يثبت في النقض بالضحك شئ أصلا.
وأما ما نقلوه عن أبي العالية ورفقته وعن عمران بن الحصين وغير ذلك، مما رووه، فقد قال العلماء كلها ضعيفة واهية باتفاق أهل الحديث، وقد بين البيهقي وغيره وجوه ضعفها بيانا شافيا فلا حاجة إلى الإطالة بتفصيله مع الانفاق على ضعفها.
وأما قياسهم فلا يصح لان الاحداث لا تثبت قياسا لأنها غير معقولة العلة، ولو صح لكان منتقضا بغسل الجنابة فإنه يبطله خروج المني ولا يبطله الضحك في الصلاة بالاجماع.
راجع المجموع ٢ / ٦٤ - ٦٦ وبدائع الصنائع ١ / ١٥١ وأصول السرخسي ١ / ١٤٥ والتلويح ١ / ٢١٧ وانظر كلام الحنفية في نصب الراية ١ / 47 - 54
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست