مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله. " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا " " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ".
وبعد فان التحقيق فن اسلامي أصيل، له قواعده وأصوله، وما علم الرواية والدراية في الحديث، إلا هذا الفن التحقيقي الذي يفوق في دقته، ما نسبه المستشرقون لأنفسهم من ريادة علم التحقيق، بل لا مجال للمقارنة البتة.
وعلم التحقيق في مصنفات التراث، ما هو الا قبس من ذلك الفن الاسلامي العريق.
وكم نحن اليوم في حاجة إلى بعث ذلك التراث، وتمحيصه، خصوصا التراث الذي بدأ مع عهد التدوين بشكله الواسع في القرن الرابع الهجري، حيث اتسعت حركة التأليف وتنوعت العلوم والفنون. وكثير من هذا التراث دفين لم يجد من يتفرغ لاخراجه وتحقيقه، ولا شك أن هذا التراث محتاج إلى التحقيق والدراسة والتدقيق.
فقد كان اعتماد العلماء في نشر علمهم - في الجملة - رهين النساخ، فاتخذ كثير من الناس مهنة النسخ حرفة لتسجيل العلم وتدوينه، فكان منهم النساخ العاديون، ومنهم العلماء، ومنهم من يدرك فنا دون آخر، فوقع في جملة ذلك أخطاء وتصحيفات وتحريفات وسقط عبارات لتكرار أخرى، مما أخرج كثيرا من العبارات عن مجراها ومقصدها، وحمل المؤلف ما لا يتحمله، بل وصل الامر إلى الخطأ في نسبة المؤلفات لأصحابها لتشابه المصنفات، وأسماء المؤلفين.
إلا أن حركة التدوين عن طريق النسخ سلمت من الإضافات والتحريفات الشنيعة، والترف بالعبارات التصرف المقصود، فلم يكن ذلك من دأب ولا صنيع النساخ، فان خوف الله ورقابته أضفت على النفوس سالمة ونبل مقصد.