باب القول في اللفظ العام المخرج إذا أريد به الخصوص (1) قال أبو بكر قد يرد اللفظ العام والمراد العموم كقوله تعالى الله بكل
(1) لفظ الخصوص معاني عند الأصوليين، قيل الخصوص: هو كون اللفظ متناولا لبعض ما يصلح له لا لجميعه، ويعترض عليه بالعام الذي أريد به الخصوص وقيل هو كون اللفظ متناولا للواحد المعين الذي لا يصلح إلا لا، ويعترض على تقييده بالوحدة مثل ما تقدم.
ويفرقون بين الخاص والخصوص فيقولون: الخاص هو ما يراد به بعض ما ينطوي عليه لفظه بالوضع، والخصوص: ما اختص بالوضع لا بالإرادة وقيل: الخاص ما يتناول أمرا واحدا بنفس الوضع، والخصوص أن يتناول شيئا دون غيره وكان يصح أن يتناوله ذلك الغير. راجع في ذلك ارشاد الفحول 142 فإنه مفيد.
وتعبر الجصاص " بالعام المخرج إذا أريد به الخصوص " يعشر بالخلاف بينه وبين العام المخصوص، ولدقة الفرق بينهما نبين ذلك فنقول.
فرق العلماء بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص على أقوال كثيرة منها أن الذي أريد به الخصوص ما كان المراد أقل وما ليس بمراد هو الأكثر. وقال علي بن أبي هريرة: العام المخصوص المراد به الأكثر وما ليس بمراد وبين قولنا هذا عام مخصوص، فان الثاني أعم من الأول ألا ترى أن المتكلم إذا أراد اللفظ أو ما دل عليه ظاهر العموم ثم أخرج بعد ذلك بعض ما دل عليه اللفظ كان عاما مخصوصا ولم يكن عاما أريد به الخصوص ويقال إنه منسوخ بالنسبة إلى بعض الذي أخرج وهذا متوجه إذا قصد العموم بالخلاف ما إذا نطق بالعام مريدا به بعض ما يتناوله.
وقال الزركشي وفرق بعض الحنابلة بينهما بوجهين:
أحدهما: أن المتكلم إذا طلق اللفظ العام فان أراد به بعضا معينا فهو العام الذي أريد به الخصوص وإن أراد سلب الحكم عن بعض منه فهو العام المخصوص مثاله: قام الناس فإذا أردت إثبات القيام لزيد مثلا لا غير فهو عام أريد به الخصوص، وإن أردت به سلب القيام عن زيد فهو عام مخصوص.
والثاني: أن العام الذي أريد به الخصوص انما يحتاج إلى دليل معنوي يمنع إرادة الجمعي فيتعين له البعض، والعام المخصوص يحتاج إلى تخصيص اللفظ غالبا كالشرط والاستثناء والغاية. وهناك تفريقات أخرى إلا أننا ترجح تفرقة الحنابلة فهي منقدحة معقولة وراجع في بسط هذا الموضوع إرشاد الفحول 140 والمسودة 115 والمدخل لمذهب الإمام أحمد 112.
ونضيف أن بعض الكاتبين - كالعطار في حاشيته على جمع الجوامع - ظن أن التفرقة بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص من عمل المتأخرين إلا أن تفرقة الجصاص ترد ذلك بل فرق الشافعي نفسه وجماعة من الشافعية - كما ذكر الزركشي - بينهما عند قوله تعالى " وأحل الله البيع " هل هو عام مخصوص أو عام أريد به الخصوص، على أننا نضيف لم نجد ذكرا لهذه التفرقة في عامة كتب الحنيفة.