وقال ابن عباس أبهموا ما أبهم الله تعالى (1) فاستفدنا من هذا الفصل (2) من قول محمد شيئين أحدهما أن من مذهبه القول بالعموم أن المنصوصات أنه لا يقاس بعضها على بعض وقد دل هذا من قوله أنه كان لا يرى تخصيص العموم الذي لم يثبت خصوصه (3)
(١) أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن ميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس " وأمهات نسائكم " قال هي مبهمة إذا طلق الرجل قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها.
وقال السيوطي: في قوله تعالى " وأمهات نسائكم " أخرج مالك عن زيد بن ثابت أن ه سئل عن رجل تزوج امرأة ففارقها قبل أن يمسها هل تحل له أمها؟
فقال: " لا، الام مبهمة ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب ". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن جريح قال: قلت: لعطاء الرجل ينكح المرأة ولم يجامعها حتى يطلقها أتحل له أمها قال " لا هي مرسلة قلت: أكان ابن عباس يقرأ وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن قال لا " راجع في ذلك الدرر المنثور ٢ / ١٣٥ وأحكام القرآن للقرطبي ٥ / ١٠٦ والكشاف ١ / ٥١٦ وأحكام القرآن للجصاص ٢ / ١٥٥ وأحكام القرآن لابن العربي ١ / ٣٧٥ وحاشية الجمل ١ / ٣٧٠ (٢) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(٣) وهذا مذهب الحنفية كما أورده البزدوي وغيره من أن العام الذي لم يثبت خصوصه لا يحتمل الخصوص بخبر الواحد والقياس، وهذا هو المشهور عندهم وقال في كشف الاسرار وهو المذهب ونقل ذلك عن أبي بكر الجصاص وعيسى بن أبان وهو قول أكثر الحنفية - ١ / ٢٩٤.
وقال السرخسي: أكثر مشايخنا رحمهم الله أن تخصيص العام الذي لم يثبت خصوصيته ابتداء لا يجوز بالقياس وخبر الواحد، وإنما يجوز ذلك في العام الذي ثبت خصوصه بدليل موجب من الحكم مثل ما يوجبه العام أصول السرخسي ١ / ١٤٢ ونقل عن عيسى بن أبان قوله: أنه يجوز إن كان العام قد خصص قبل ذلك بنص قطعي كذا حكاه عنه القاضي أبو بكر في التقريب والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وأطلق صاحب المحصول الحكاية عنه ولم يقيدها بكون النص قطعيا وحكى هذا المذهب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عن بعض العراقيين وذهب إلى أنه يجوز إن كان قد خص بدليل منفصل وإلا فلا كذا حكاه عنه صاحب المحصول وغيره.
وقد ناقشنا نسبة المذهب إلى عيسى بن أبان ونفينا عنه ما قاله بالأدلة وأثبتنا له مذهب أصحابه فراجعه في كلامنا على تخصيص العام بخبر الواحد.
حاصل المسألة ومذاهب العلماء.
إن القائلين بأن العموم حجة إذا انفرد، والقياس حجة إذا انفرد اختلفوا في جواز تخصيص العموم بالقياس.
مثل أن يعم قوله " خذ من أموالهم صدقة " المديون وغيره قياسا على الفقير، فالجمهور على جوازه قال الرازي في المحصول وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك. ورأيت في مختصر المنتهز قوله الأئمة الأربعة فأدخل الإمام أحمد وأبا هاشم والأشعري وأبا الحسين البصري ومثل ذلك حكاه ابن الهمام في التحرير.
وحكاه الشيخ أبو حامد وسليم الرازي عن ابن سريج هذا ما رأيته من نقل الشوكاني إلا أن نسبة هذا الرأي إلى ابن سريج يعارضها ما نقله ابن الحاجب في مختصره حيث نسب لابن سريج أنه إن كان القياس جليا جاز وإلا فلا، فتنبه للنقلين.
وقال أبو حامد الأسفرائيني القياس إن كان جليا مثل " ولا تقل لهما أف " جاز التخصيص به بالاجماع وإن كان واضحا، وهو المشتمل على جميع معنى الأصل كقياس الربا فالتخصيص به جائز في قول عامة أصحابنا إلا طائفة شذت لا يعتبر بقولهم، وإن كان خفيا وهو قياس علته الشبه فأكثر أصحابنا أنه لا يجوز التخصيص به ومنهم من شذ فجوزه.
قال الأستاذ أبو منصور والأستاذ أبو إسحاق أجمع أصحابنا على جواز التخصيص بالقياس الجلي واختلفوا في الخفي على وجهين. والصحيح الذي عليه الأكثرون جوازه أيضا وكذا أبو الحسين بن القطان والماوردي والرواني وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أن الشافعي نص على جواز التخصيص بالخفي في مواضع.
وذهب أبو علي الجبائي إلى المنع مطلقا، ونقله القاضي أبو بكر الباقلاني عن طائفة من المتكلمين وعن الأشعري وممن قال بجوازه بالقياس. الجلي الإصطخري كما حكاه الأستاذ أبو منصور عن أبي القاسم الأنماطي ومبارك بن أبان وأبي علي الطبري.
وذهب الغزالي إلى أنه إن تفاوت القياس والعام في غلبة الظن رجح الأقوى فإن تعادلا فالوقف واختاره المطرزي ورجحه الفخر الرازي واستحسنه القرافي والقرطبي.
وذهب الآمدي في الاحكام بعد أن ساق المذاهب قال: والمختار أنه إذا كانت العلة الجامعة في القياس ثابته بالتأثير أي بنص أو إجماع جاز تخصيص العموم وإلا فلا، أما إذا كانت العلة مؤثرة فلأنها نازلة منزلة النص الخاص فكانت مخصصة للعموم ولتخصيصه بالنص.
ومذهب مالك نص عليه في شرح التنقيح فقال: يجوز عند مالك وأصحابه تخصيصه بالقياس الجلي والخفي وفي المسودة: ١ - أن القياس يخصص عموم القرآن على ظاهر قول أكثر أصحابنا ومنهم من منع أن يخص بالخبر والقياس وهذا غريب. ٢ - لا يجوز اختاره أبو إسحاق بن شاقلا وأبو الحسين الجزري من أصحابنا والجبائي وبعض الشافعية ونقل عن أحمد ما يدل على مثل المذهبين. واختار ابن الباقلاني الوقف ووافقه الجويني هنا بخلاف. وقال الشوكاني نقل الشيخ أبو حامد وسليم الرازي عن أحمد بن حنبل القول بالمنع مطلقا وقيل إن ذلك إنما هو في رواية عنه قال بها طائفة من أصحابه.
راجع تفصيل ما لخصناه في المسودة ١٢٠ وروضة الناظرة ١٣٠ وتيسير التحرير ٢ / ٢٦ وشرح العضد على مختصر المنتهي ٢ / ١٥٤ وكشف الاسرار للبزدوي ١ / ٢٩٤ وأصول السرخسي ١ / ١٤٢ والمستصفى 2 / 123 والاحكام للآمدي 2 / 159 واللمع للشيرازي 17 وشرح تنقيح الفصول 203 وإرشاد الفحول 159 ومعالم السنن للخطابي وساق فيه كلاما جيدا 2 / 166.