والذي نرجحه ان الإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص أرفع منزلة من طبقة أصحاب التخريج من المقلدين، الذين لا يقدرون على الاجتهاد أصلا، ولكنهم لإحاطتهم بالأصول وضبطهم المأخذ، يقدرون على تفصيل قول مجمل ذي وجهين وحكم مبهم محتمل لامرين، منقول عن صاحب المذهب، أو عن أحمد من أصحابه المجتهدين، برأيهم ونظرهم في الأصول والمقايسة على أمثاله ونظرائه من الفروع.
وأدنى نظرة إلى مؤلفاته في الفقه أو التفسير أو الأصول - كما سنوضحه في الكلام على كتبه - تدحض هذا الظلم في تصنيفه في الطبقة الرابعة، بل هو من طبقة من صنفهم في الطبقة الثالثة من المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب.
وفي هامش الفوائد البهية انتصار لظلم الجصاص وجعله في هذه الطبقة حين قال:
وتعصب بعض الفضلاء بأنه ظلم في حقه، وتنزيل له عن محله، ومن تتبع تصانيفه والأقوال المنقولة عنه، علم أن الذين عدهم من المجتهدين كشمس الأئمة وغيره كلهم عالة عليه، فهو أحق بأن يجعل من المجتهدين في المذهب (1).
ح - شروحه وكتبه على وجه العموم اشتملت مؤلفات الامام الجصاص على كتب وشروح لمختصرات المذهب الحنفي.
ويعتبر شرح المختصرات خاصة فنا عميق الغور، صعب المنال، متشعب الطرقات، لا يسلكه إلا من علم المذهب، وخفاياه، ودقائقه، واستطاع معرفة أصول مسائله وفروعه.
وعلى الشرح يكون مراد المذهب في المسائل المتنوعة.
واستطاع الامام الجصاص أن يقدم للمذهب الحنفي شروحا مستفيضة كانت المرجع المعتمد في حل معضلات مسائل الفقه وأصوله، والناظر لشروحه يلمس عمق الفهم، وحدة الذكاء، وبعد الغور، مما سيتضح عند بيان طريقته في الشروح.
وشملت شروحه أهم مؤلفات أصحاب أبي حنيفة النعمان الأوائل ومن بعدهم،