الفصول في الأصول - الجصاص - ج ١ - الصفحة ١٨٦
لئلا يمر على بعض المبتدئين فيظنها شبه لأن من به (1) أدنى مسكة (2) من (3) فهم لا يخفى عليه فسادها منها انه ذكر حديث أبي فزارة (4) في الوضوء بالنبيذ وقال كان أبو فزارة نباذا فتركوا حكم القرآن زعم في قوله تعالى فلم (5) تجدوا ماء فتيمموا صعيد طيبا (6) فقال (7) معناه ماء أو نبيذ التمر (8)

(١) كتبت هذه العبارة في ح " لازمية " ولا معنى لها.
(٢) يقال فيه مسكة من حير بالضم اي بقية، والمسكة أيضا من البئر الصلية التي لا تحتاج إلى طي صحاح الجوهري ٢ / ١٤٤ (٣) في د " في ".
(٤) هو راشد بن كيسان، روي عن ميمون بن مهران وعبد الرحمن بن أبي ليلي وجماعة، وروي عنه حماد بن زيد والثوري وأبو نعيم وطائفة. قال أبو حاتم: صالح الحديث وقال ابن حبان: في الثقات. ربما أخطأ، ويكني أبا فزارة، وقال أبو زرعة: حديث أبي فزارة ليس بصحيح، هكذا سمعه ابن أبي حاتم. يقول، وقال ابن معين ثقة.
انظر ميزان الاعتدال ٢ / ٣٥ والكنى للدولابي ٢ / ٨٢.
(٥) في النسختين " فان لم تجدوا " وهو خطأ.
(٦) الآية ٤٣ من سورة النساء و ٦ / من سورة المائدة.
(٧) لفظ د " فقالوا ".
(٨) لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر لتغير طعم الماء وصيرورته مغلوبا بطعم التمر فكان في معنى الماء المقيد. وبه أخذ أبو يوسف وقال: لا يجوز التوضؤ به ألا أن أبا حنيفة ترك القياس بالنص وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فجوز الوضوء به.
وروي نوح في الجامع المروزي عن أبي حنيفة انه رجع عن ذلك وقال: لا يتوضأ به ولكنه يتيمم وهو الذي استقر عليه قوله. كذا قال نوح وبه أخذ أبو يوسف ومالك والشافعي.
واحتج هؤلاء بقوله تعالى " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " نقل الحكم من الماء المطلق إلى التراب فمن نقله إلى النبيذ ثم من النبيذ إلى التراب فقد خالف الكتاب.
وطعنوا في حديث ابن مسعود، وهو مراد الجصاص من قوله " حديث أبي فزارة في الوضوء بالنبيذ " فقالوا: هذا من رواية أبي فزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود، وأبو فزارة هذا كان نباذا بالكوفة، وأبو زيد مجهول، وطعنوا بطعون أخرى وكثرت الردود في هذه المسألة، والذي يهمنا من هذا أن كلام الجصاص في أبي فزارة صحيح فإنه قد ذكره مسلم في الصحيح فلا مطعن لاحد فيه أما أبو زيد فقد قال صاعد هو من زهاد التابعين، على أن هذا الحديث قد روي من طرق أخر غير هذا الطريق لا يتطرق إليها طعن. وراجع ملابسات الموضوع والإحاطة بمباحثه في بدائع الصنائع ١ / ١١٤ فما بعدها.
على أنه لابد من معرفة تفسير نبيذ التمر الذي فيه الخلاف، وهو أن يلقي شئ من التمر في الماء فتخرج حلاوته إلى الماء، وهكذا ذكر ابن مسعود رضي الله عنه فقال: ثمرات ألقيتها في الماء، لان من عادة العرب أنها تطرح التمر في الماء الملح ليحلو فما دام حلوا رقيقا أو قارصا يتوضأ به عند أبي حنيفة، وان كان غليظا لا يجوز التوضؤ به بلا خلاف. وكذا ان كان رقيقا لكنه غلا واشتد وقذف بالزبد، لأنه صار مسكرا والمسكر حرام فلا يجوز التوضؤ به به ولأن الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رقيقا حلوا فلا يلحق به الغليظ والمر.
نبه على ذلك الكاساني في بدائع الصنائع ١ / ١١٨ وانظر أصول السرخسي ١ / 145، 2 / 153 وتأسيس النظر 40
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست