الفصول في الأصول - الجصاص - ج ١ - الصفحة ٣٨١
باب القول في (1) العام والخاص (2) والمجمل والمفسر (3) قال أبو بكر إذا وردت آية عامة توجب حكما ووردت آية خاصة توجب حكما بضد موجب الآية العامة فإن ذلك ليس يخلو من أحد وجوه أربعة

(1) ولو قال: القول في تعارض العام والخاص لكان أيين للمراد بمضمون الباب، وهذه المسألة تدخل في مسائل تعارض النصوص ولذلك لابد من توطئة نمهد بها لتصور هذه المسألة واستيعابها، فتقول:
إن تقسيمات الشافعية لتعرض النصين من أشمل وأدق التقسيمات عن سواهم ولهذا سنذكر تقسيمهم محررا فيهما يلي:
إذا تعارض نصان فهما على قسمين:
الأول: إما أن يكونا متساويين في القوة والعموم.
الثاني: أن لا يكونا كذلك.
والمراد بتساويهما في القوة أن يكونا معا معلومين أو مظنونين.
وبتساويهما في العموم أن يصدق كل منهما على كل ما صدق عليه الاخر.
فأما القسم الأول: وهو أن يتساويا في القوة والعموم ففيه ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يعلم أن أحدهما متأخر الورود عن الاخر ويعلم أيضا بعينه، فحينئذ يكون ناسخا للمتقدم سواء كانا معلومين أو مظنونين وسواء كانا من الكتاب والسنة، أو أحدهما من الكتاب والاخر من الستة، إلا أن من يقول إن الكتاب لا يكون ناسخا للسنة وبالعكس فإنه يمنع ورود هذا القسم.
الثاني أن يجهل المتأخر منهما فلم يعلم عينه فينظر، فإن كانا معلومين فيتساقطان ويجب الرجوع إلى غيرهما لان كلا منهما يحتمل أن يكون هو المنسوخ احتمالا على السواء، وإن كانا مظنونين وجب الرجوع إلى الترجيح فيعمل بالأقوى فإن تساويا يخير المجتهد.
الثالث: أن يعلم تقارنهما، فإن كانا معلومين فإن أمكن التمييز بينهما تعين القول به، فإنه إذا تعذر الجمع لم يبق إلا التخيير، ولا يجوز أن يرجح أحدهما على الاخر بقوة الاسناد لان المعلوم لا تقبل الترجيح.
أما القسم الثاني: وهو أن لا يتساويا في القوة والعموم جميعا، فأما أن يتساويا في العموم ولم يتساويا في القوة، أو عكسه، أو لم يحصل بينهما تساو لا في العموم ولا في القوة فهذه أحوال ثلاثة:
أولها: التساوي في العموم والخصوص مع عدم التساوي في القوة، بأن يكون أحدهما قطعيا والاخر ظنيا، فيعمل بالقطعي ي سواء علم تقدم أحدهما على الاخر أم لم يعلم، وسواء تقدم القطعي أم الظني، وهذا الاطلاق يشمل ما إذا كان المقطوع عاما والمظنون خاصا، والصحيح أن المظنون يخصص المقطوع.
وثانيها: أن يتساويا في في القوة مع عدم التساوي في العموم والخصوص بأن يكونا قطعين أو ظنيين أو ظنيين أو يكونا عامين لكن أحدهما أعم من الأخ إما مطلقا أو من وجهه أو يكونا خاصين، فإن كانا عامين أو كان أحدهما الاخر أو لم يعلم، اللهم إلا إن تقدم الأعم وورد الأخص بعد العمل به فإن الأخص حينئذ يكون ناسخا له فيما تناوله الأخص لا مخصصا، لامتناع تأخير البيان عن وقت العمل.
وإن كان أحدهما عم من الاخر من وجه وأخص من وجه - وهذا ما تكلم فيه الامام الجصاص في المسألة التالية لهذه المسألة - فعند الشافعية يصار إلى الترجيح بينهما سواء كانا قطعيين أم ظنين، لكن لا يمكن الترجيح في القطعيين بقوة الاسناد بل يرجح بكون حكم أحدهما حظرا والاخر إباحة، وأن يكون أحدهما شرعيا والاخر عقليا، أو مثبتا والاخر نافيا ونحو ذلك، وفي الظنين يرجح بقوة الاسناد.
وقول الشافعية بالترجيح نلاحظ فيه أن منهم من أطلق كما في جمع الجوامع، وفي شرح الورقات قيده فقال: إن أمكن الجمع بتخصيص عموم كل بخصوص الاخر وجب وإلا احتج إلى الترجيح.
وعند الحنابلة الترجيح أيضا في هذه المسألة كما ذكره في المسودة.
ثالثها: أن لا يحصل بينهما تساو في العموم الخصوص ولا في القوة.
فإن اختلفا في كل واحد من هذين بأن يكون أحدهما قطعيا والاخر ظنيا وهما عامان، ولكن أحدهما أعم من الاخر مطلقا أو من وجه، أو خاصان، فإن كانا عامين وأحدهما أعم من الاخر من وجه صير إلى الترجيح - كما قال الشافعية - فإنه قد يترجح الظني بما يتضمنه الحكم من كونه حظر أو نفيا وغير ذلك سواء علم تأخر القطعي عن الظني أم تقدمه أم جهل الحال، وأما إن كانا خصين فقال الشافعية العمل بالقطعي مطلقا.
راجع في ذلك:
الابهاج 3 / 142 وما بعدها، وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 79 والمسودة 139.
(2) عبارة ح " الخاص والعام ".
(3) يلاحظ هنا أن عبارة " والمجمل والمفسر " قد وردت في النسختين وفي فهرس النسخة (ح) إلا أن الجصاص لم يتكلم عن هذا الموضوع البتة، اللهم إلا إشارة عابرة في ورقة 57 - أ، قال:
" إن المفسر يخص المجمل " فإما أن تكون هذه زيادة من النساخ لم يتضمنها كتاب الفصول للجصاص، وإما أن تكون ساقطة من النسخ التي تحت أيدينا وكلا الاحتمالين وارد.
إلا أننا نرجح أنها إضافة من النساخ ولم تكن موجودة في الأصل لامرين:
الأول: إن سياق الكلام في عنوان هذا الباب لا يتضمن إلا الكلام على تعارض العام والخاص دون أن يشعر أن هناك سقطا في ناحية ما بحيث تحمل على الكلام في المجمل والمفسر وما وردت إلا إشارة بسيطة ورقة 72 - ب قال: " والامر على حديث أبي سعيد لأنه مفسر لا يحتمل المعاني وحديث أسامة يحتمل المعاني ".
الثاني: إن الكتب المتداولة بين أيدينا من كتب الأحناف وغيرهم لم تنقل رأيا للجصاص في تعارض المجمل والمفسر.
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 379 381 383 384 385 386 387 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة 3
2 تمهيد 5
3 الامام الجصاص 7
4 أ - اسمه و كنيته ولقبه 7
5 ب - سنة ولادته 10
6 ج‍ - مكان ولادته ونبذة عن بلاد الري 11
7 د - صفاته 13
8 ه‍ - رحلاته 14
9 و - مكانته العلمية 15
10 ز - طبقته عند الحنفية 17
11 ح - شروحه وكتبه على وجه العموم 21
12 ط - كتاب ((أصول الفقه)) على وجه الخصوص 23
13 وقت تأليف الجصاص ل‍ ((أصول الفقه)) 23
14 مصادر الكتاب التي منها استمد الجصاص مادته 24
15 نسخ الكتاب الموجود 26
16 نقص المخطوطة 29
17 مقدمة الكتاب 30
18 النصوص الساقطة من أول باب العام 31
19 الباب الأول في العام الفصل الأول الظواهر التي يجب اعتبارها 40
20 إذا ورد لفظ عموم معطوف عليه ويمكن استعماله في نفسه 41
21 نظائر هذه المسألة 44
22 الفصل الثاني إذا تناول اللفظ معنيين هو في أحد هما مجاز وفي الآخر حقيقة 46
23 تعريف الحقيقة 46
24 تعريف المجاز 46
25 استحالة أيكون اللفظ الواحد مستعملا في موضعه ومعدا به عن موضعه في حالة واحدة 46
26 إذا كان اللفظ يتناول معنيين وهو صريح في أحدهما كناية في الآخر 48
27 إذا ورد اللفظ مطلقا 48
28 الفصل الثالث الظواهر التي يقضى عليها دلالة الحال، فينقل حكمه إلى ضد موجب لفظه 50
29 نظائر هذاه المسألة 52
30 الكشف عن عموم ألفاظ يدعيها الخصوم والرد عليها 53
31 الباب الثاني في صفة النص تعرف النص اصطلاحا 59
32 الدليل عليه 60
33 تعريف النص في اللغة 60
34 الباب الثالث في معنى المجمل الفصل الأول أوجه وأقسام المجمل 63
35 الوجه الأول: أن يكون الإجمال في لفظ واحد مجهول 63
36 القسم الأول: ما يكون إجماله في نفس اللفظ 64
37 القسم الآخر: أن يكون اللفظ مما يمكن استعماله على ظاهره ويصير مجملا بما يقترن إليه 64
38 أمثلة القسم الأول 65
39 أمثلة القسم الآخر 69
40 الفصل الثاني الاحتجاج بعموم اللفظ المجمل 74
41 يصح الاحتجاج بعموم اللفظ الجمل إذا قامت الدلالة على معنى قد أريد به 74
42 الأمثلة على ذلك 74
43 الفصل الثالث الأسماء المشتركة 76
44 الباب الرابع في معاني حروف العطف وغيرها الواو في اللغة للجمع 83
45 " بل " فللاستدارك 88
46 الفاء للجمع 88
47 " أو " للشك 89
48 " ثم " للترتيب والتراخي 91
49 " بعد " للترتيب 92
50 " إلى " للغاية 93
51 " من " للتبعيض ولبدو الغاية وللتمييز وللإلغاء 94
52 الباء للالصاق 94
53 " في " للظرف 94
54 " كل " لجمع الأسماء 95
55 " كلما " لجمع الافعال وفيها معنى الشرط على وجه التكرار 96
56 الباب الخامس في إثبات القول بالعموم وذكر الاختلاف فيه مذاهب العلماء 99
57 مذهب جمهور العلماء: الحكم بعموم اللفظ مطلقا 99
58 مذهب القائلين بأقل الجمع 99
59 مذهب القائلين بالوقف مطلقا 100
60 مذهب الواقفين في الاخبار دون الامر 100
61 مذهب الواقفين في الأوامر دون الاخبار 100
62 مذهب الحنفية والجصاص، القول بالعموم في الاخبار والأوامر جميعا 101
63 الرد على القائلين أن مذهب أبي حنيفة القول بالوقف في عموم الاخبار 102
64 القول بعموم اللفظ فيما لم تصحبه دلالة الخصوص هو مذهب السلف 103
65 الأدلة والأمثلة ورد الاعتراضات الواردة على الجصاص وأصحابه 104
66 الباب السادس في اللفظ العام المخرج إذا أريد به الخصوص اللفظ العام المخرج إذا أريد به الخصوص 135
67 مذهب بعض الحنفية، عدم جواز ذلك 137
68 أدلة المذهب الثاني والرد عليها 138
69 الباب السابع في الوجوه التي يقع بها التخصيص الوجوه التي يقع بها التخصيص 142
70 جواز تخصيص عموم القرآن بقرآن مثله 142
71 جواز تخصيص القرآن بالسنة الثابتة، والأمثلة عليه 144
72 جواز تخصيص القرآن بالاجماع، والأمثلة عليه 146
73 جوار تخصيص القرآن بدلالة العقل، والأمثلة عليه 146
74 الرد على المانعين في جوازه بالعقل 147
75 الباب الثامن في تخصيص العموم بخبر الواحد تخصيص العموم بخبر الواحد 155
76 مذهب الجصاص والحنفية يجور تخصيص عموم القرآن والسنة الثابتة بخبر الواحد 155
77 أمثلة وأدلة على مذهب الحنفية 156
78 الدليل على أن هذا المذهب هو مذهب الصدر الأول من السلف 159
79 الرد على اعتراضات الخصوم 163
80 لا فرق بين النسخ والتخصيص في أن كل واحد منهما بيان، والأدلة والردود 170
81 الدليل على أن خبر الواحد يرد بالإجماع ولا يرد الإجماع به 175
82 الباب التاسع في تخصيص العموم بالقياس تخصيص العموم بالقياس 211
83 كل مالا يجوز تخصيصه بخبر الواحد لا يجور تخصيصه بالقياس 211
84 الأمثلة على ذلك 211
85 الأدلة والمناقشة والردود 212
86 الرد على القائلين أن شرطا الإيمان في رقبة يقتضي تخصيص رقبة الظهار 222
87 الكلام في كفارة قتل الخطأ وقتل العمد 233
88 الكلام في الشاهد واليمين 238
89 الباب العاشر في اللفظ العام إذا خص منه شيء ما حكم الباقي؟ مذهب أبي الحسن الكرخي: التفرقة بين الاستثناء المتصل ودلالة التخصيص 245
90 مذهب الجصاص والحنفية: أن تخصيص العموم لا يمنع الاستدلال له فيما عدا المخصوص 246
91 أمثلة من فروع الحنفية 247
92 الدليل على صحة مذهب الجصاص والحنفية 248
93 الرد على المفرقين بين الاستثناء ودلالة الخصوص 252
94 الباب الحادي عشر في حكم التحليل والتحريم إذا علقا بما لا يصلح أن يتناولاه في الحقيقة بيان أن التحليل والتحريم يتعلقان بأفعال الأمرين والمنهيين 257
95 الدليل على ذلك 257
96 الرد على الاعتراضات 258
97 الباب الثاني عشر الاستثناء ولفظ التخصيص إذا اتصلا بالخطاب ما حكمهما؟ بيان أن الاستثناء إذا صحب خطابا معطوفا بعضه على بعضه أن يرجع إلى ما يليه 265
98 التخصيص إذا اتصل بالجملة فحكمه كذلك 266
99 الدليل على صحة ذلك والأمثلة، وردا لاعتراضات 267
100 الباب الثالث عشر في الإجماع والسنة إذ حصلا على معنى يواطئ حكما مذكورا في الكتاب بيان أن ما حصل من ذلك مأخوذ من القرآن وأنه مراد الله تعالى 283
101 الأمثلة على ذلك من القرآن الكريم 283
102 الدليل عليه 284
103 الاعتراضات والرد عليها 285
104 الباب الرابع عشر في دليل الخطاب وحكم المخصوص بالذكر المذهب الأول: أن كل شيء كان ذا وصفين فخص أحدهما بالذكر فحكمه بخلافه 291
105 المذهب الثاني: أن كل ما خص بعض أوصافه بالذكر إن كان ذا أوصاف كثيرة فحكمه بخلافه 291
106 المذهب الثالث: أن المخصوص بالذكر حكمه مقصور عليه، وهو مذهب الجصاص والجنفية 291
107 مطلب في التعليق بالشرط أو العدد 293
108 دليل الجصاص على صحة مذهبه ورد الاعتراضات 294
109 التخصيص بالذكر على حكم لا يدل على أن ما عداه بخلافه 299
110 الأدلة والاعتراضات والردود 299
111 كلام الحصاص مع الإمام الشافعي في دليل الخطاب 305
112 الباب الخامس عشر في حكم الجمل تقسيمات الجمل 327
113 كل لفظ أمكن استعماله على وجه فلا إجمال فيه ولا يجور أن يتأخر البيان فيه 330
114 أمثلة على أن هذا مذهب الحنفية 330
115 الرد على الاعتراضات 331
116 بيان أن من الألفاظ ما يمكن أن يكون مجملا ويجور أن يكون عموما 334
117 الباب السادس عشر في الكلام الخارج عن سبب المذهب الأول: كل كلام خرج عن سبب فالحكم له لا للسبب 337
118 المذهب الثاني: العبرة بالسبب 338
119 الرد على المذهب الثاني 338
120 مالا يستقل بنفسه 344
121 إذا كان الجواب أخص من السؤال 346
122 الباب السابع عشر في حرف النفي إذا دخل على الكلام تحرير محل النزاع مع ذكر الأمثلة 351
123 المذهب الأول: الأمر محتمل لنفي الأصل ونفى الكمال على السواء 353
124 الذهب الثاني: نفي الأصل أولى من نفى الكلام 353
125 الباب الثامن عشر في الحقيقة والمجار تعريف الحقيقة في لغة العرب 357
126 تعريف المجاز في لغة العرب 361
127 الأمثلة على وجود الحقيقة المجاز في اللغة العرب 361
128 الرد على من نفى وجود هذا التقسيم في اللغة 368
129 الباب التاسع عشر في المحكم والمتشابه تعريف المحكم والمتشابه 373
130 تعريف المتشابه 373
131 حكم المتشابه 374
132 الباب العشرون في العام والخاص والمجمل والمفسر مقدمة في الوجوه الأربعة لمسألة تعارض النصوص 381
133 الوجه الأول: أن يكون العموم متقدما ويرد الخصوص 383
134 الوجه الثاني: أن يتقدم لفظ الخصوص ثم يرد العموم 385
135 الأدلة على صحة مذهب الجصاص الحنفية والأمثلة 385
136 رد الاعتراضات وذكر الأدلة 386
137 الرد على الإمام الشافعي في ذلك 399
138 الوجه الثالث: إذا ورد لفظ العموم والخصوص في خطاب واحد 406
139 الوجه الرابع: إذا ورد العام والخاص ولم يعلم تاريخ واحد منهما 407
140 الدليل على كلام عيسى بن أبان ورد الاعتراضات 409
141 الباب الحادي والعشرون في الخبرين إذا كان كل واحد منهما عاما من وجه وخاصا من وجه آخر اعتبار السبب الذي ورد في كل واحد منهما 422
142 الأمثلة على ذلك 422