بعد وفاة شيخه بتحقيقه في الزمن الماضي استفادة من " قد " و " كان "، وإلا فإن الأليق والمناسب للعبارة - لو كان في حياة شيخه - أن يقول: ورأي شيخنا كذا.. أو يقول شيخنا كذا.
ويؤيد هذا الترجيح عبارات أخرى وردت في أصول الفقه كقول الجصاص: والذي أحفظه عن شيخنا - أو - والذي حصلناه عن شيخنا - أو - والذي سمعته من شيخنا الخ.
وعليه، فإن تأليفه جاء آخر مؤلفات الامام الجصاص، بعد أن توجه على كرسي الحنفية بعد شيخه، وبعد ان قارب على انهاء رحلة عمره العلمية، سنة سبعين وثلاثمائة، فجاء كتابه " أصول الفقه " خلاصة مرانه وتجاربه العلمية ورحلاته وتأليفه للشروح والمختصرات، فكان درة في مفرق أصول فقه الحنفية، بما لم يسبق بمثله، فلما طبقة على " أحكام القرآن " صار جوهرة على رأس أصول فقه الحنفية، يقصده العلماء والطلاب.
مصادر الكتاب التي منها استمد الجصاص مادته يمكننا حصر مصادر كتاب أصول الفقه للجصاص بالأمور التالية:
أ - شيوخه.
ب - كتبه.
ج - الكتب الأصولية الموجودة في عصره.
أ - شيوخه:
لقد كان لرحلات الجصاص العلمية، وتنقله بين الأهواز ونيسابور والري وبغداد الجانب الأهم في مصادر ثقافته الأولية، ومن ثم في مصادر كتابه أصول الفقه، فقد التقى بعلماء يختلفون مشربا وثقافة، فأخذ عن الكرخي الفقه والأصول، وعن عبد الباقي بن قانع، والطبراني ودعلج، وأبي العباس الأصم، والحاكم النيسابوري وغيرهم الحديث، وأخذ عن أبي سهل الزجاجي، وأبي علي الفارسي، ومحمد غلام ثعلب اللغة.
ويتضح ذلك جليا فيما ضمنه " أصول الفقه " فإنه ينقل عن هؤلاء كل في فنه مستشهدا بأقوالهم، ومدافعا عنها بأدلته أحيانا ومعارضا لها أحيانا أخرى. ويضاف لعنصر الاخذ عن الشيوخ، ملكته الواسعة وأفقه البعيد مما جعله يحمل علم كل من رآه من الشيوخ على اختلاف علومهم وثقافتهم.