د - صفاته تجمع المصادر التاريخية التي ذكرت الإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص بأنه كان على درجة عالية من التقوى والورع والزهد، وكانت حاله تزيد على حال الرهبان من كثرة التقشف، وهذا مشهور بين أصحابه وتلامذته.
ومما يدل على ذلك عزوفه عن تولي منصب قضاء القضاة، وهو منصب يتسابق إليه العلماء في ذلك العصر.
قال القاضي أبو عبد الله الصيمري (1) في ذكر بن علي الرازي الجصاص: خوطب على قضاء القضاء مرتين، فامتنع - وفي بعض المراجع أن الخليفة المطيع (2) طلبه لذلك - حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدثني أبو بكر محمد بن صالح الأبهري، قال خاطبني المطيع على قضاء القضاة، وكان السفير في ذلك أبو الحسن بن أبي عمرو الشرواني، فأبيت عليه، وأشرت بأبي بكر أحمد بن علي الرازي، فأحضر للخطاب على ذلك، وسألني أبو الحسن بن أبي عمرو معونته عليه، فخوطب فامتنع، وخلوت به، ورفقت، فقال لي: تشير علي بذلك؟ فقلت لا أرى لك ذلك، ثم قمنا إلى بين يدي أبي الحسن بن أبو عمرو، وأعاد خطابه، فعدت إلى معونته فقال لي: أليس قد شاورتك فأشرت إلي أن لا أفعل، فوجم أبو الحسن بن أبي عمرو من ذلك، وقال: تشير علينا بانسان، ثم تشير عليه أن لا يفعل، قلت: نعم إمامي في ذلك أنس بن مالك بن أنس، أشار على أهل المدينة أن يقدموا نافعا القارئ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأشار على نافع أن لا يفعل، فقيل له في ذلك، فقال أشرت عليكم بنافع، لأني لا أعرف مثله، وأشرت إليه أن لا يفعل، لأنه أسلم لدينه. (3)