فأما إذا ورد العام والخاص ولم يعلم تاريخ واحد منهما (1) فإن عيسى بن ابان ذكر حكم الخبرين إذا وردا بهذا الوصف فقسمهما أقساما أربعة فقال
(1) اختلف النقل لمذهب الحنفية في هذه المسألة، فذكر بعضهم أنه إن جهل التاريخ يتوقف عن العمل بواحد منهما حتى يظهر التاريخ أو ما يرجح أحدهما أو يرجع إلى غيرهما، راجع هذا النقل في حاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 79، وأصول الفقه للشيخ زهير 2 / 294، وفي كشف الاسرار للبزدوي قال عبد العزى البخاري إن لم يعلم تاريخهما يجعل العام آخر للاحتياط 1 / 292 وفي المسودة نقل عن الحلواني أن قول المعتزلة وبعض الحنفية مع الجهل بالتاريخ: يقدم الخاص، قال أبو الحسن الكرخي وعيسى بن أبان والبصري هما متعارضان ويعدل إلى دليل آخر، وكذلك نقل أبو الطيب أن القائلين بالنسخ مع العلم اختلفوا مع الجهل على مذهبين:
أحدهما: التعارض.
والثاني: تقديم الخاص كقولنا.
ونقل عن عيسى بن أبان مذهب آخر وهو التفصيل كما ذكره الجصاص هنا، وذكره أيضا في المسودة 134 واضطرب النقل كذلك في مذهب الحنابلة فيما إذا جهل التاريخ، فقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: أذهب إلى الحديثين جميعا ولا أرد أحدهما بالآخر ولهذا مثال، منه قوله لحكيم بن حزام: لا تبع ما ليس عندك " ثم أجاز السلم، والسلم ما ليس في ملكه وإنما هو الصفة، وهذا عندي مثل الأول، ومنه الشاة المصراة إذا اشتراها الرجل فحلبها إن شاء ردها ورد صاع تمر، وقوله " الخراج بالضمان " فكان ينبغي أن يكون اللبن للمشتري لأنه ضامن بمنزلة العبد إذا استغله فأصاب عيبا رده وكان له عليه بضمانه، يؤخذ بهذا وهذا وشبهه حتى لا تتأتى دلالة بأن الخبر قبل الخبر فيكون الأخير أولى أن يؤخذ به، مثل م قال ابن شهاب الزهري: يؤخذ بالأخير فالأخير من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا آخر كلام أحمد وهذا كله كلامه.
فظاهر هذه الرواية أن الخبرين إذا كان أحدهما خاصا والاخر عاما قدم الخاص وخص به العام مع جهل التاريخ، فان علم التاريخ فالثاني منهما مقدم سواء كان الخاص أو العام.
وقال الشيخ أبو محمد: إذا جهل التاريخ تعارضا، والمنصوص أن مع الجهل بالتاريخ يعمل بالخاص ومع العلم يقدم المتأخر، وهذا أقوى فصار مع المسألة ثلاثة أقوال.
وأما المالكية فقد حكى في المسودة عن القاضي عن أبي بكر بن الباقلاني وأبي بكر الدقاق من لا شافعية القول بالتعارض إذا جهل التاريخ ولم يفصلا، وهذا يدل على أن مذهبه العمل بالثاني إذا علم لتاريخ وهو رواية عن أحمد، وهكذا يتخرج على قول من لم يجز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، وهكذا قال أبو الطيب وبنوا ذلك على أن تأخير بيان العموم عن وقت الخطاب غير جائز وهكذا ذكره ابن نصر المالكي فقال:
من منع من تأخير البيان حمله عليا لنسخ ومن أجاز أوجب البيان.
وقال في الكفاية: وهذا مبني عل يأن تأخير البيان عن وقت الخطاب غير جائز ويقدم الخاص على العام مع فقد التاريخ، فإن قلنا المتأخر بنسخ فإن حكم الخاص قد علم ثبوته، والعام لم يعلم ثبوته في مسألة الخاص لجواز اتصالهما، أو لجواز تقدم العام أو لجواز تأخره مع بيان التخصيص مقارنا، فإن كان العام متقدما أو متأخرا أو متصلا فليس بمنسوخ ويجب أن ينظر في هذا الباب وفي العامين والعام من وجه إلى قوة دلالة العام فإنه إذا كان أحدهما أقل أفرادا ظهر إرادة الاخر إذ منه مالا يظهر في الكثير وكذلك إذا كان عموم معنوي أو كان أحدهما مؤكدا والاخر مجردا أو مقيدا.
راجع المسودة 136.