الأولى: أن في وضع اللفظ لمعنى لا يكون شخص اللفظ موضوعا لشخص المعنى؛ ضرورة أن تشخص اللفظ باستعماله، وهو متأخر عن الوضع، بل الوضع يتعلق بطبيعي اللفظ بنحو القضية الحقيقية، بإزاء طبيعي المعنى أيضا بنحو القضية الحقيقية؛ ولذا يكون كل فرد من أفراد طبيعي اللفظ موضوعا بإزاء فرد من أفراد طبيعي المعنى.
الثانية: أن الوضع ليس جعل اللفظ علامة للمعنى، بل هو عبارة عن جعل اللفظ مرآة للمعنى وفانية فيه؛ بحيث لا يرى السامع وجود اللفظ في الخارج إلا وجود المعنى؛ ولذا يسري استهجان المعنى إلى اللفظ، ويصير اللفظ مستهجنا.
إذا تمهد لك هاتين المقدمتين: فلازم تعدد الوضع والاشتراك هو كون لفظ من أفراد طبيعي اللفظ مرآة وفانيا دفعة واحدة؛ فناءين في أمرين متباينين، كما لا يعقل أن يكون وجود واحد وجود ماهيتين.
ولا يمكن أن يقال: إن الواضع خصص طائفة من أفراد طبيعي اللفظ بمعنى، وطائفة أخرى منها بمعنى آخر؛ لما قلنا في المقدمة الأولى: أن الوضع يسري إلى جميع وجودات طبيعي اللفظ بنحو القضية الحقيقية - أي جميع الأفراد المقدرة والمحققة - ومعه كيف يعقل اختصاص طائفة من أفراد طبيعي اللفظ بمعنى، والطائفة الأخرى منها بمعنى آخر؟! لأن التخصيص إن كان مع تمييز تلك الطائفة عن غيرها - بمائز يتقوم به اللفظ الموضوع - خرج اللفظ عن الاشتراك، وإن كان المائز الاستعمال المتعلق باللفظ فلا يعقل أن يتقوم اللفظ الموضوع بما هو متوقف على الوضع؛ لأن استعمال اللفظ الموضوع فيما وضع له متأخر عن اللفظ ووضعه (1) فتدبر.