ولا يعقل الإفناء في ناحية الوضع؛ بداهة أن الواضع عند وضعه اللفظ للمعنى لابد وأن يلاحظ كلا من اللفظ والمعنى مستقلا، ومنحازا كلا منهما عن الآخر، ثم جعل اللفظ علامة للمعنى، وهذا المعنى غير حاصل فيما لو كان اللفظ فانيا في المعنى؛ ضرورة أنه لم يلحظ الفاني إلا مرآة وتبعا للمعنى.
فظهر: أن الواضع بوضعه - مع قطع النظر عن الاستعمال - لا يمكنه إفناء اللفظ في المعنى، وبلحاظ استعمال المستعملين اللاحق للوضع؛ حيث إنه بمنزلة ملاحظة الشرط الخارج عن متن العقد لا يجب اتباعه، كما لا يخفى.
مضافا إلى أنه سيمر بك: أن الاستعمال لا يكون إفناء اللفظ في المعنى؛ خصوصا في أوائل الاستعمالات بعد الوضع.
نعم، توجب كثرة الاستعمال وأنس الذهن غفلة الشخص عن اللفظ وتوجهه إلى المعنى، وهذا غير إفناء اللفظ في المعنى، كما لا يخفى.
وبما ذكرنا تظهر: المناقشة في جواب المحقق العراقي (قدس سره)؛ فإنه لم يكن باب الاستعمال باب إفناء اللفظ في المعنى، بل لو كثرت الاستعمالات توجب ذلك غفلة المستعمل عن اللفظ، وقد أشرنا أنه غير الفناء، فتدبر.
الوجه الثاني: أن الوضع عبارة عن جعل الملازمة الذهنية بين اللفظ والمعنى أو ما يستلزمها؛ فإذن بوضع اللفظ لمعنيين يوقع ملازمتين مستقلتين: إحداهما ملازمة بين اللفظ ومعنى.
والأخرى ملازمة أخرى بين ذلك اللفظ ومعنى آخر.
فعليه: لو تصور ذلك اللفظ يلزم انتقالان مستقلان، وحضور المعنيين دفعة واحدة في الذهن، وهو محال (1).