وقضية " شريك الباري ممتنع " من هذا القسم؛ لأنه لا يمكن أن يقال: إن الامتناع بلحاظ مفهوم " شريك الباري "؛ لقضاء البداهة بوجوده في الذهن، ولا يكون للموضوع وجود في الخارج؛ فالإخبار فيها إنما هو بفرض النفس فردا لشريك الباري في الذهن، ثم يحكم عليه بالامتناع خارجا.
وبالجملة: في القضايا غير البتية لا تحتاج إلى وجود الموضوع؛ لا في الخارج ولا في الذهن، بل للنفس اختراع الموضوع.
أقول: ولا يخفى أن هذا الجواب غير وجيه؛ لأن هذه القضية إخبار عن امتناع تحقق شريك الباري في متن الواقع.
وغاية ما تقتضيه القضية غير البتية: هي أن ما فرضته شريكا للباري تعالى باطل وممتنع، والبرهان المقتضي لامتناع شريك الباري هو غير شريك الباري المفروض؛ لأن المفروض منه غير ممتنع، فتدبر.
والذي يمكن الجواب به عن الإشكال: هو أن القضايا قد تكون موجبة صورة، ولكنها في حكم السالبة لبا، وذلك مثل القضية المذكورة؛ فإن معنى الامتناع هو أنه ليس بموجود البتة.
فكما لا نحتاج في القضية السالبة إلى وجود الموضوع، ويصح أن يقال: إن شريك الباري ليس بموجود، وتكون القضية صادقة؛ لأن صدق القضية هو مطابقتها للواقع، لا لما فرض أنه واقع، ومعلوم: أن في الواقع ونفس الأمر لا يكون الشريك للباري تعالى موجودا، وإلا - والعياذ بالله - لو كان موجودا يكون قولك: " شريك الباري ليس بموجود " قضية كاذبة.
فكذلك الكلام في القضايا التي تكون موجبة صورة، وسالبة لبا، كقولنا:
" شريك الباري ممتنع "؛ لما أشرنا: أن معناه ليس بموجود البتة، فافهم واغتنم.