وحيث إن الأمر غير خال عن الغموض والإبهام نأتي بما يشيد أركانه؛ لئلا يتزلزل بالأوهام.
فنقول: كما أن المحقق الخراساني (قدس سره) مع اختياره استحالة أخذ قصد الأمر ونحوه في المتعلق - ولو بالخطاب الثاني - فلو قامت حجة على لزوم الإتيان بقصد الأمر لكان يحكم بأن العقل يكشف منه تعلق الغرض بما هو الأخص مما تعلق به الأمر؛ وهو ما قيد بقصد الأمر (1).
كذلك نقول بعكس ذلك في المقام - أي موارد جواز الاستنابة والتبرع - وذلك لأن المكلف به هو نفس الطبيعة تعيينا وإطلاقا، واحتمال الاكتفاء بإتيان الغير يلغى حيث لا تخيير ولا اشتراط. ومعه لو قامت الحجة على جوازهما يكشف العقل تعلق الغرض بما هو الأعم من المتعلق، لا يتغير سنخ التكليف عن التعيين والإطلاق أصلا.
ولكن إذا لم تقم حجة على ذلك وشك في ذلك فالمرجع الاشتغال فقط؛ لرجوعه إلى مقام الامتثال.
والمظنون: أن اختلاج احتمال البراءة في الذهن إنما هو لعدم وصوله إلى ما حققناه من عدم تمشي التخيير والاشتراط في موارد جواز الاستنابة والتبرع، فتدبر جيدا.
فاتضح من جميع ما ذكرناه: ما في كلام المحقق العراقي (قدس سره)؛ حيث ذهب إلى البراءة، واستدل لذلك: بأن الشك في المقام يكون في طور التكليف هل هو تام أو ناقص... إلى آخر ما ذكره (2).
إذ لا شك في حدود التكليف، ولا المكلف به أصلا؛ لأن التكليف تعيني مطلق، والمكلف به أيضا نفس الطبيعة، والشك إنما هو في مرحلة الامتثال فقط، ومعه لا مجال لتوهم البراءة، فتدبر وكن من الشاكرين.