مقام تشريع وجوب الحج وجعله على المستطيع في ظرفه، فيكون زمان الجعل متقدما ومنذ الاستطاعة وزمان المجعول بمعنى فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج متأخر، وعليه فلا يكون وجوب الحج فاعلا ومحركا نحوه قبل أن يدخل وقته، إذ لا أثر لوجوده الانشائي الاعتباري في عالم الاعتبار والذهن ما لم يتحقق موضوعه بتمام قيوده في الخارج.
فالنتيجة أن هذا الصنف لا يدل على وجوب سد جميع أبواب عدم الحج بوجوب نفسي بل لا إشعار فيه فضلا عن الدلالة، لأن الحاكم بذلك إنما هو العقل من باب حكمه بلزوم الامتثال والإطاعة وهو لا يمكن إلا بسد تمام أبواب العدم، فلا يمكن أن يكون وجوبه شرعيا كما أنه لا يدل على وجوبه بوجوب غيري.
الصنف الثاني: الروايات التي تدل على أنه يجب على المستطيع أن يقوم بتوفير جميع المقدمات التي يتوقف الاتيان بالحج عليها كتهيئة الزاد والراحلة وغيرهما (1) من المقدمات، فإن هذه الروايات ظاهرة في أن وجوب الاتيان بتلك المقدمات وجوب غيري لا نفسي بل لا إشعار فيها على ذلك فضلا عن الدلالة، كما أنه لا إشعار فيها على وجوب سد باب العدم بوجوب نفسي، هذا إضافة إلى ما أشرنا إليه آنفا من أن مفهوم سد باب العدم مفهوم انتزاعي منتزع من الأمر بشئ مقيدا بقيود، فإن العقل في مثل ذلك يحكم بلزوم سد باب الاعدام من ناحية قيود الواجب وشروطه من باب حكمه بلزوم الإطاعة، إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة وهي أن الصنف الأول لا يدل على وجوب سد تمام أبواب العدم لا بوجوب نفسي ولا غيري بل الحاكم به العقل في ظرف الامتثال، وأما الصنف