الآخر على ارتفاع الضد الموجود ضرورة أن الجسم الأسود لا يقبل البياض كما أن الجسم الأبيض لا يقبل السواد فإذا كان المحل مشغولا بالسواد فلا محالة وجود البياض فيه يتوقف على ارتفاع السواد وعدمه فيكون عدمه مقدمة له.
فالنتيجة أن عدم الضد الموجود مقدمة لثبوت الضد الآخر وأما عدم الضد المعدوم فهو لا يكون مقدمة لثبوت الضد الآخر (1).
أقول أن هذا التفصيل مبني على نظرية الحدوث وهي أن سر حاجة الأشياء إلى مبدأ العلية هو حدوثها لا إمكانها الوجودي وفقرها الذاتي ولازم ذلك أن الشئ إذا حدث في الخارج فقد استغنى عن مبدأ العلية بقاء وقد يستدل على هذه النظرية بأمرين:
الأول: أن سبب حاجة الأشياء لو كان إمكانها الوجودي دون حدوثها فهو لا ينسجم مع مجموعة من الظواهر الكونية التي تكشف عن استمرار وجود المعلول بعد زوال علتها كالعمارات الشاهقة والبنايات والطرق والجسور وما شاكل ذلك التي بناها البناؤون وأيدي آلاف من العمال فإنها تبقى بعد انتهاء علتها وهي عملية البنا مئات من السنين من دون علة مباشرة لها وكذلك الطائرات والسيارات والسفن والمكائن والمصانع وأنواع الأدوات الميكانيكية وغيرها مما شاده المهندسون والفنانون في شتى ميادين العلم فإنها بعد انتهاء عمليتها وصنعها بيد هؤلاء الفنانون والمهندسون تبقى إلى أمد بعيد بدون علة مباشرة لها ومثلها الأشياء الكونية الطبيعية كالجبال والأحجار والأشجار وما شاكلها من الموجودات الطبيعية على سطح الكرة الأرضية فإنها تبقى بدون أن