وأما ما ذكره (قدس سره) من أن الاتيان بالطهارات الثلاث بقصد أمرها الغيري يستلزم الاتيان بها بقصد أمرها النفسي ضمنا، باعتبار أنه لا يدعو إلا إلى ما تعلق به فلا يرجع إلى معنى محصل، ضرورة أن المكلف إذا كان غافلا عن الأمر الاستحبابي النفسي نهائيا، فكيف يعقل أن قصد أمرها الغيري يستلزم قصده ضمنا فإنه إنما يستلزم قصده كذلك إذا كان المكلف ملتفتا إليه، لأن الاتيان بكل جزء في ضمن سائر أجزاء المركب مشروط بالقدرة، ومع الغفلة عنه لا يكون قادرا عليه، وما نحن فيه كذلك، لأن المكلف إذا كان غافلا عن الأمر الاستحبابي النفسي المتعلق بالطهارات الثلاث فلا يتمكن من قصده في ضمن الاتيان بها، لأن الالتفات إليه شرط للتمكن والقدرة عليه كما هو الحال في سائر الأجزاء، وعليه فلا يعقل أن يكون الأمر الغيري المتعلق بها يدعو المكلف إلى قصده مع أنه غافل عنه، ضرورة أنه دعوة إلى المحال، فالأمر المتعلق بشئ سواء كان نفسيا أم غيريا إنما يدعو المكلف إلى الاتيان به إذا كان قادرا عليه، وإلا فيستحيل أن يكون داعيا ومحركا نحوه.
هذا إضافة إلى أن الأمر الغيري لا يصلح أن يكون داعيا بنفسه ومحركا نحو الاتيان بمتعلقه، فإن داعويته إنما هي بداعوية الأمر النفسي ولولاه لم يكن داعيا، وعلى هذا فدعوة الأمر الغيري إلى الاتيان بمتعلقه إنما هي بدعوة الأمر النفسي لا بذاته.
فالنتيجة أن ما ذكره المحقق الخراساني (قدس سره) من الجواب غير تام هذا.
وذكر المحقق النائيني (قدس سره) أن منشأ عبادية الطهارات الثلاث ليس هو الأمر الاستحبابي ولا الأمر الغيري كما مر، بل هو الأمر النفسي الضمني المتعلق بها، على أساس أن الأمر المتعلق بالصلاة ينحل إلى أوامر ضمنية متعلقة بأجزائها وشروطها، وحيث إن تلك الأوامر الضمنية أوامر عبادية فإنها كما تكون