تدفع الإشكال على مستوى كافة النظريات الأصولية وجميع الأقوال في المسألة، بيان ذلك أنه ينبغي قبل الخوض في المسألة تقديم مقدمة، وهي أن الواجبات الشرعية جميعا مشروطة بالقدرة ويمكن تقسيم تلك الواجبات على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يكون مشروطا بالقدرة العقلية، ونقصد بالقدرة العقلية أنها غير دخيلة في ملاك الحكم وهو اتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادئ.
ونتيجة ذلك أن الفعل تام الملاك سواء أكان المكلف قادرا عليه أم عاجزا، ومن هنا إذا أدرك العقل أن ملاكه تام في ظرفه، استقل بلزوم الاتيان بجميع المقدمات التي يتوقف استيفاء هذا الملاك عليها ولا يجوز التسامح والتساهل فيها بحيث يؤدي إلى تفويت الملاك الملزم في ظرفه، ولا فرق في ذلك بين المقدمات الخارجية والمقدمات الداخلية.
القسم الثاني ما هو مشروط بالقدرة الشرعية المطلقة، ونقصد بالقدرة الشرعية أنها مأخوذة في لسان الدليل في مرحلة الجعل من قبل الشرع فيكون حالها حال سائر القيود المأخوذة فيه في هذه المرحلة، فكما أن تلك القيود ظاهرة في أنها قيود للحكم في مرحلة الجعل ولإتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادئ، فكذلك القدرة الشرعية، فإنها ظاهرة في أنها قيد للحكم في هذه المرحلة ولإتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادئ، وهذا بخلاف القدرة العقلية، فإنها غير مأخوذة في لسان الدليل شرعا، لأن الحاكم بها إنما هو العقل بملاك قبح تكليف العاجز، وحيث إنه لا طريق للعقل إلى ملاكات الأحكام الشرعية، فلا يحكم بأنها دخيلة في اتصاف الفعل بالملاك.
ونقصد بالمطلقة أن الدخيل في اتصاف الفعل بالملاك القدرة المطلقة في