الثالثة: أن الواجب إذا كان مقيدا بقيد طولي غير اختياري، فإن كان ذلك القيد دخيلا في اتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادئ فهو قيد للواجب والوجوب معا، فإذن يكون من الواجب المشروط لا المعلق، وإن لم يكن دخيلا فيه بأن يكون الاتصاف بالملاك في هذه المرحلة تاما وغير مشروط بشئ، فعندئذ لا يمكن جعل الوجوب مطلقا ومنجزا، لأنه يدعو المكلف إلى الاتيان بالواجب المقيد بقيد غير اختياري، وهو من الدعوة إلى الحال فلهذا لا يعقل جعله كذلك، وهذا معنى استحالة الواجب المعلق، كما أنه لا يمكن جعل الوجوب مشروطا بذلك القيد المتأخر لأنه بلا ملاك، هذا تمام كلامنا في النقطة الأولى.
وأما الكلام في النقطة الثانية وهي أن الواجب المعلق هل هو داخل في الواجب المشروط أو المطلق، أو لا هذا ولا ذاك، بل هو نوع ثالث من الواجب في مقابل النوع الأول والثاني، ففيه وجوه والأظهر هو الوجه الثالث، وذلك لما تقدم من أن الواجب المعلوم هو ما يكون الواجب مقيدا بقيد متأخر غير اختياري والوجوب مطلقا وغير مقيد به فلهذا يكون نوعا ثالثا من الواجب في مقابل النوعين الأولين، أما أنه في مقابل الأول فلأنه مباين له ثبوتا واثباتا، أما ثبوتا فلأن قيده دخيل في ترتب الملاك عليه من دون كونه دخيلا في اتصافه به، بينما هو في الواجب المشروط دخيل في اتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادئ، وأما إثباتا فلأنه في الواجب المعلق قيد للواجب في هذا المقام، بينما هو في الواجب المشروط قيد للوجوب فيه، فإذن يختلف الواجب المعلق عن الواجب المشروط ولا اشتراك بينهما، وأما أنه في مقابل النوع الثاني، فلأن الواجب المعلق حصة خاصة وهو المقيد بقيد متأخر، بينما الواجب المطلق مطلق من هذه الناحية وغير مقيد به