على استيفاء الملاك في ظرفه من الآن وقبل البلوغ إذا علم بأنه لا يتمكن منه بعد البلوغ، إذ لو كان المقتضى بهذه الدرجة لزم من الامتنان عدم الامتنان ولا يترتب أثر حينئذ على رفع القلم، لأن حقيقة الحكم وروحه باقية وبكلمة أن المقتضى للتشريع وإن كان موجودا إلا أن مصلحة الامتنان أقوى منه، فلهذا تصلح أن تمنع عن تأثيره قبل البلوغ ولا يتطلب منه تحصيل القدرة من الآن.
ومن هنا يظهر حال ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) من أن الوجوب إذا كان مرفوعا عن الصبي بالحديث، فلا طريق إلى أن ملاكه ثابت في الواقع، لأن الطريق إليه منحصر بالوجوب ومع ارتفاعه يرتفع الطريق، وجه الظهور أن الرفع في الحديث حيث إنه امتناني فهو بنفسه قرينة على ثبوت الملاك والمقتضي له في الواقع وإلا فلا معنى للامتنان، غاية الأمر أن مصلحة الامتنان بما أنها أقوى منه فهي تمنع عن تأثيره لا أن وجوده غير معلوم.
كما أنه بذلك يظهر حال القول الثاني، وجه الظهور هو أن المقتضى وإن كان ثابتا إلا أنه بنحو الاقتضاء، فلا تأثير له فعلا.
وأما الكلام في المقام الرابع، فقد تقدم أن تعلم الأحكام الشرعية واجب قبل الابتلاء بها بلا فرق بين أن تكون الأحكام من الأحكام المطلقة أو الموقتة ، شريطة العلم بالابتلاء أو الاطمئنان به، وأما إذا لم يعلم بالابتلاء فهل يجب التعلم في هذه الحالة أيضا أو لا، فيه وجهان، المعروف والمشهور بين الأصحاب الوجه الأول، وقد استدل على ذلك بأمرين:
الأول: بحكم العقل، بدعوى أن احتمال الابتلاء بالأحكام الواقعية التي تكون ملاكاتها تامة في ظرفها مساوق لاحتمال العقاب على تفويتها على تقدير ثبوتها، ومن الواضح أن العقل حيث إنه مستقل بدفع العقاب المحتمل، فلذلك يحكم بوجوب تعلمها حتى لا تفوت عنه إذا ابتلي بها.