إن قلت: لازم تعلق البعث الجدي ببعض الافراد، والبعث الانشائي بالآخر، أن يكون الواحد صادرا عن داعيين، وانشاء البعث بالنحو الكلي أمر واحد لا يمكن صدوره عن داعيين بلا جهة جامعة.
قلت: مضافا إلى عدم جريان برهان امتناع صدور الواحد عن الكثير في مثل المقام، وإلى أن الوجدان حاكم بأن الدواعي المختلفة قد تجتمع على فعل واحد - إن الدواعي ليست علة فاعلية لشئ، بل الدواعي غايات لصدور الافعال، وكون الغايات علل فاعلية الفاعل ليس معناه أنها مصدر فاعليته، بحيث تكون علة فاعلية لها، كما لا يخفى.
وبما ذكرنا في بيان المراد من الإرادة الاستعمالية والجدية، يدفع إشكال بعض الأعاظم، حيث يظهر من تقريرات بحثه: توهم أن مراد القوم من الإرادة الاستعمالية والجدية هو بالنسبة إلى لفظ العام، وأن المراد الاستعمالي منه جميع العلماء والجدي بعضهم.
فأورد عليهم: بأن حقيقة الاستعمال ليس إلا إلقاء المعنى بلفظه، والألفاظ مغفول عنها حينه، لأنها قنطرة ومرآة إلى المعاني، وليس للاستعمال إرادة مغايرة لإرادة المعنى الواقعي، فالمستعمل إن أراد المعنى الواقعي فهو، وإلا كان هازلا (1).
وقد عرفت: أن الاستعمالية والجدية إنما هي بالنسبة إلى الحكم، فما ذكره أجنبي عن مقصودهم.