من السرائر والضمائر ثم قال تعالى " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا " أي ببعض ذنوبهم السالفة كما قال بعض السلف إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها وإن من جزاء السيئة السيئة بعدها ثم قال تعالى " ولقد عفا الله عنهم " أي عما كان منهم من الفرار " إن الله غفور حليم " أي يغفر الذنب ويحلم عن خلقه ويتجاوز عنهم وقد تقدم حديث ابن عمر في شأن عثمان وتوليه يوم أحد وأن الله عفا عنه مع من عفا عنهم عند قوله " ولقد عفا عنكم " ومناسب ذكره ههنا قال الإمام أحمد حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن عاصم عن شقيق قال لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد مالي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان فقال له عبد الرحمن أبلغه أني لم أفر يوم حنين قال عاصم يقول يوم أحد ولم أتخلف عن بدر ولم أترك سنة عمر قال فانطلق فأخبر بذلك عثمان قال: فقال عثمان أما قوله إني لم أفر يوم حنين فكيف يعيرني بذلك ولقد عفا الله عنه فقال تعالى " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم " وأما قوله إني تخلفت يوم بدر فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم فقد شهد وأما قوله إني تركت سنة عمر فإني لا أطيقها ولا هو فأته فحدثه بذلك.
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لاخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيى ويميت والله بما تعملون بصير (156) ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون (157) ولئن متم أو قتلتم لألى الله تحشرون (158) ينهى تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الاسفار والحروب لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لاخوانهم " أي عن إخوانهم " إذا ضربوا في الأرض " أي سافروا للتجارة ونحوها " أو كانوا غزى " أي كانوا في الغزو " لو كانوا عندنا " أي في البلد " ما ماتوا وما قتلوا " أي ما ماتوا في السفر وما قتلوا في الغزو وقوله تعالى " ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم " أي خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم ثم قال تعالى ردا عليهم " والله يحيي ويميت " أي بيده الخلق وإليه يرجع الامر ولا يحيا أحد ولا يموت أحد إلا بمشيئته وقدره ولا يزاد في عمر أحد ولا ينقص منه شئ إلا بقضائه وقدره " والله بما تعملون بصير " أي علمه وبصره نافذ في جميع خلقه لا يخفى عليه من أمورهم شئ وقوله تعالى " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " تضمن هذا أن القتل في سبيل الله والموت أيضا وسيلة إلى نيل رحمة الله وعفوه ورضوانه وذلك خير من البقاء في الدنيا وجميع حطامها الفاني ثم أخبر تعالى بأن كل من مات أو قتل فمصيره ومرجعه إلى الله عز وجل فيجزيه بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر فقال تعالى " ولئن متم أو قتلتم لألى الله تحشرون ".
فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظا القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159) إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون (160) وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (161) أفمن أتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله