ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور (154) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم (155) يقول تعالى ممتنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة وهو النعاس الذي غشيهم وهم مشتملون السلاح في حال همهم وغمهم والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان كما قال في سورة الأنفال في قصة بدر " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه " الآية. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو نعيم ووكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي رزين عن عبد الله بن مسعود قال: النعاس في القتال من الله وفي الصلاة من الشيطان وقال البخاري وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة قال: كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط وآخذه. هكذا رواه في المغازي معلقا ورواه في كتاب التفسير مسندا عن شيبان عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد قال فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه وقد رواه الترمذي والنسائي والحاكم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة قال: رفعت رأسي يوم أحد وجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت جحفته من النعاس لفظ الترمذي وقال حسن صحيح ورواه النسائي أيضا عن محمد بن المثنى عن خالد بن الحارث عن قتيبة عن ابن أبي عدي كلاهما عن حميد عن أنس قال: قال أبو طلحة: كنت فيمن ألقي عليه النعاس الحديث وهكذا رواه عن الزبير وعبد الرحمن بن عوف وقال البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسين محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي حدثنا يونس بن محمد حدثنا شيبان عن قتادة حدثنا أنس بن مالك أن أبا طلحة قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه قال والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق " يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " أي إنما هم أهل شك وريب في الله عز وجل هكذا رواه بهذه الزيادة وكأنها من كلام قتادة رحمه الله وهو كما قال الله فإن الله عز وجل يقول " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم " يعني أهل الايمان واليقين والثبات والتوكل الصادق وهم الجازمون بأن الله عز وجل سينصر رسوله وينجز له مأموله ولهذا قال " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " يعني لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف " يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " كما قال في الآية الأخرى " بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا " إلى آخر الآية وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة وأن الاسلام قد باد وأهله وهذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة ثم أخبر تعالى عنهم أنهم " يقولون " في تلك الحال " هل لنا من الامر من شئ " فقال تعالى " قل إن الامر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك " ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله " يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا " أي يسرون هذه المقالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا أرسل الله علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره قال فوالله إني لاسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم يقول " لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا " فحفظتها منه وفي ذلك أنزل الله " يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا " لقول معتب رواه ابن أبي حاتم قال الله تعالى " قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " أي هذا قدر قدره الله عز وجل وحكم حتم لا محيد عنه ولا مناص منه وقوله " وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم " أي يختبركم بما جرى عليكم ليميز الخبيث من الطيب ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس في الأقوال " والله عليم بذات الصدور " أي بما يختلج في الصدور
(٤٢٧)