المرة الأولى ووقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة ورمية وضربة وإذا قد قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه ورواه الهيثم بن كليب والطبراني من حديث إسحق بن يحيى به. وعند الهيثم قال أبو عبيدة أنشدك الله يا أبا بكر إلا تركتني؟ فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه فجعل ينضنضه كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استل السهم بفيه فبدرت ثنية أبي عبيدة وذكر تمامه واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه وقد ضعف علي بن المديني هذا الحديث من جهة إسحق بن يحيى هذا فإنه تكلم فيه يحيى بن سعيد القطان وأحمد ويحيى بن معين والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم ومحمد بن سعد والنسائي وغيرهم - وقال ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه أنه بلغه أن مالكا أبا أبي سعيد الخدري لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد مص الجرح حتى أنقاه ولاح أبيض فقيل له مجه فقال لا والله لا أمجه أبدا ثم أدبر يقاتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا " فاستشهد. وقد ثبت في الصحيحين من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد أنه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه صلى الله عليه وسلم فكانت فاطمة تغسل الدم وكان علي يسكب عليه الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها حتى إذا صارت رمادا ألصقته بالجرح فاستمسك الدم وقوله تعالى " فأثابكم غما بغم " أي فجزاكم غما على غم كما تقول العرب نزلت ببني فلان ونزلت على بني فلان. وقال ابن جرير: وكذا قوله " ولأصلبنكم في جذوع النخل " أي على جذوع النخل قال ابن عباس: الغم الأول بسبب الهزيمة وحين قيل قتل محمد صلى الله عليه وسلم والثاني حين علاهم المشركون فوق الجبل وقال النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم ليس لهم أن يعلونا ". وعن عبد الرحمن بن عوف: الغم الأول بسبب الهزيمة والثاني حين قيل قتل محمد صلى الله عليه وسلم كان ذلك عندهم أشد وأعظم من الهزيمة رواهما ابن مردويه. وروي عن عمر بن الخطاب نحو ذلك وذكر ابن أبي حاتم عن قتادة نحو ذلك أيضا وقال السدي: الغم الأول بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح والثاني بإشراف العدو عليهم. وقال محمد بن إسحاق " فأثابكم غما بغم " أي كربا بعد كرب قتل من قتل من إخوانكم وعلوا عدوكم عليكم وما وقع في أنفسكم من قول: قتل نبيكم فكان ذلك متتابعا عليكم غما بغم وقال مجاهد وقتادة: الغم الأول سماعهم قتل محمد والثاني ما أصابهم من القتل والجراح وعن قتادة والربيع بن أنس عكسه. وعن السدي: الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة والثاني إشراف العدو عليهم وقد تقدم هذا القول عن السدي. قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال " فأثابكم غما بغم " فأثابكم بغمكم أيها المؤمنون بحرمان الله إياكم غنيمة المشركين والظفر بهم والنصر عليهم وما أصابكم من القتل والجراح يومئذ بعد الذي كان قد أراكم في كل ذلك ما تحبون بمعصيتكم أمر ربكم وخلافكم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم ظنكم أن نبيكم قد قتل وميل العدو عليكم ونبوكم منهم: وقوله تعالى " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " أي على ما فاتكم من الغنيمة والظفر بعدوكم " ولا ما أصابكم " من الجراح والقتل قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف والحسن وقتادة والسدي " والله خبير بما تعملون " سبحانه وبحمده لا إله إلا هو جل وعلا.
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الامر من شئ قل إن الامر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله