الوجه الأول: قال أبو مسلم الأصفهاني: المراد باليد ما نطقت به الرسل من الحجج وذلك لأن اسماع الحجة انعام عظيم والإنعام يسمى يدا. يقال لفلان عندي يد إذا أولاه معروفا، وقد يذكر اليد. المراد منها صفقة البيع والعقد كقوله تعالى: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) * (الفتح: 10) فالبينات التي كان الأنبياء عليهم السلام يذكرونها ويقررونها نعم وأياد، وأيضا العهود التي كانوا يأتون بها مع القوم أيادي وجمع اليد في العدد القليل هو الأيدي وفي العدد الكثير هو الأيادي، فثبت أن بيانات الأنبياء عليهم السلام وعهودهم صح تسميتها بالأيدي، وإذا كانت النصائح والعهود إنما تظهر من الفم فإذا لم تقبل صارت مردودة إلى حيث جاءت، ونظيره قوله تعالى: * (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم) * (النور: 15) فلما كان القبول تلقيا بالأفواه عن الأفواه كان الدفع ردا في الأفواه، فهذا تمام كلام أبي مسلم في تقرير هذا الوجه.
الوجه الثاني: نقل محمد بن جرير عن بعضهم أن معنى قوله: * (فردوا أيديهم في أفواههم) * أنهم سكتوا عن الجواب يقال للرجل إذا أمسك عن الجواب، رد يده في فيه وتقول العرب كلمت فلانا في حاجة فرد يده في فيه إذا سكت عنه فلم يجب، ثم إنه زيف هذا الوجه وقال: إنهم أجابوا بالتكذيب لأنهم قالوا: * (إنا كفرنا بما أرسلتم به) *.
الوجه الثالث: المراد من الأيدي نعم الله تعالى على ظاهرهم وباطنهم ولما كذبوا الأنبياء فقد عرضوا تلك النعم للإزالة والإبطال فقوله: * (ردوا أيديهم في أفواههم) * أي ردوا نعم الله تعالى عن أنفسهم بالكلمات التي صدرت عن أفواههم ولا يبعد حمل " في " على معنى الباء لأن حروف الجر لا يمتنع إقامة بعضها مقام بعض.
النوع الثاني: من الأشياء التي حكاها الله تعالى عن الكفار قولهم: * (إنا كفرنا بما أرسلتم به) * والمعنى: إنا كفرنا بما زعمتم أن الله أرسلكم فيه لأنهم ما أقروا بأنهم أرسلوا.
واعلم أن المرتبة الأولى هو أنهم سكتوا عن قبول قول الأنبياء عليهم السلام وحاولوا اسكات الأنبياء عن تلك الدعوى، وهذه المرتبة الثانية أنهم صرحوا بكونهم كافرين بتلك البعثة.
والنوع الثالث: قولهم: * (وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) * قال صاحب " الكشاف ": وقرئ * (تدعونا) * بادغام النون * (مريب) * موقع في الريبة أو ذي ريبة من أرابه، والريبة قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الأمر.
فإن قيل: لما ذكروا في المرتبة الثانية أنهم كافرون برسالتهم كيف ذكروا بعد ذلك كونهم شاكين مرتابين في صحة قولهم؟