إنه تعالى عطف السبع المثاني على القرآن، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه وجب أن يكون السبع المثاني غير القرآن، إلا أن هذا يشكل بقول تعالى (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) وكذلك قوله (وملائكته وجبريل وميكال) وللخصم أن يجيب: بأنه لا يبعد أن يذكر الكل، ثم يعطف عليه ذكر بعض أجزائه وأقسامه لكونه أشرف الأقسام. أما إذا ذكر شئ ثم عطف عليه شئ آخر كان المذكور أولا مغاير للمذكور ثانيا، وههنا ذكر السبع المثاني، ثم عطف عليه القرآن العظيم، فوجب حصول المغايرة.
والجواب الصحيح: أن بعض الشئ مغاير لمجموعه، فلم لا يكفي هذا القدر من المغايرة في حسن العطف، والله أعلم، الحكم الثاني أنه لما كان المراد بقوله (سبعا من المثاني) هو الفاتحة، دل على أنه هذه السورة أفضل سور القرآن من وجهين: أحدهما: أن إفرداها بالذكر مع كونها جزءا من أجزاء القرآن، لابد وأن يكون لاختصاصها بمزيد الشرف والفضيلة، والثاني: أنه تعالى لما أنزلها مرتين دل ذلك على زيادة فضلها وشرفها.
وإذا ثبت هذا فنقول: لما رأينا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم واظب على قراءتها في جمع الصلوات طول عمره، وما أقام سورة أخرى مقامها في شئ من الصلوات دل ذلك على أنه يجب على المكلف أن يقرأها في صلاته وأن لا يقيم سائر آيات القرآن مقامها وأن يحترز عن هذا الابدال فان فيه خطرا عظيما والله أعلم.
(القول الثاني) في تفسير قوله (سبعا من المثاني) إنها السبع الطوال وهذا قول ابن عمر وسعيد بن جبير في بعض الروايات ومجاهد وهي: البقرة وآل عمران، والنساء والمائدة، والانعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة معا. قالوا: وسميت هذه السور مثاني، لان الفرائض والحدود والأمثال والعبر ثنيت فيها وأنكر الربيع هذا القول. وقال هذه الآية مكية وأكثر هذه السور السبعة مدينة. وما نزل شئ منها في مكة، فكيف يمكن حمل هذه الآية عليها.
وأجاب قوم عن هذا الاشكال: بأن الله تعالى أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا. ثم أنزله على نبيه منها نجوما، فلما أنزله إلى السماء الدنيا، وحكم بانزاله عليه، فهو من جملة ما آتاه، وإن لم ينزل عليه بعد.
ولقائل أن يقول: إنه تعالى قال (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) وهذا الكلام انما يصدق