ومجتهدون في الضلال والإغواء، فلو كان مراد الله تعالى هو الإرشاد والهداية لكان من الواجب إبقاء المرشدين والمحققين وإهلاك المضلين والمغوين، وحيث فعل بالضد منه، علمنا أنه أراد بهم الخذلان والكفر. الثالث: أنه تعالى لما أعلمه بأنه يموت على الكفر وأنه ملعون إلى يوم الدين كان ذلك إغراء له بالكفر والقبيح، لأنه أيس عن المغفرة والفوز بالجنة يجترئ حينئذ على أنواع المعاصي والكفر. الرابع: أنه لما سأل الله تعالى هذا العمر الطويل، مع أنه تعالى علم منه أنه لا يستفيد من هذا العمر الطويل إلا زيادة الكفر والمعصية، وبسبب تلك الزيادة يزداد استحقاقه لأنواع العذاب الشديد كان هذا الإمهال سببا لمزيد عذابه، وذلك يدل على أنه تعالى أراد به أن يزداد عذابه وعقابه. الخامس: أنه صرح بأن الله أغواه فقال: * (رب بما أغويتني) * وذلك تصريح بأن الله تعالى أغواه لا يقال: هذا كلام إبليس وهو ليس بحجة، وأيضا فهو معارض بقول إبليس: * (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) * فأضاف الإغواء إلى نفسه، لأنا نقول.
أما الجواب عن الأول: فهو أنه لما ذكر هذا الكلام فإن الله تعالى ما أنكره عليه وذلك يدل على أنه كان صادقا فيما قال.
وأما الجواب عن الثاني: فهو أنه قال في هذه الآية: * (رب بما أغويتني لأزينن لهم) * فالمراد ههنا من قوله: * (لأزينن لهم) * هو المراد من قوله في تلك الآية: * (لأغوينهم أجمعين) * إلا أنه بين في هذه الآية أنه إنما أمكنه أن يزين لهم الأباطيل لأجل أن الله تعالى أغواه قبل ذلك، وعلى هذا التقدير فقد زال التناقض ويتأكد هذا بما ذكره الله تعالى حكاية عن الشياطين في سورة القصص: * (هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا) * (القصص: 63).
السؤال السادس: أنه أقل: * (رب بما أغويتني) * وهذا اعتراف بأن الله تعالى أغواه فنقول: إما أن يقال: إنه كان قد عرف بأن الله تعالى أغواه، أو ما عرف ذلك، فإن كان قد عرف بأن الله تعالى أغواه امتنع كونه غاويا لأنه إنما يعرف أن الله تعالى أغواه إذا عرف أن الذي هو عليه جهل وباطل، ومن عرف ذلك امتنع بقاؤه على الجهل والضلالة، وأما إن قلنا: بأنه ما عرف أن الله أغواه فكيف أمكنه أن يقول: * (رب بما أغويتني) * فهذا مجموع السؤالات الواردة في هذه الآية.
أما الإشكال الأول: فللمعتزلة فيه طريقان:
الطريق الأول: وهو طريق الجبائي أنه تعالى إنما أمهل إبليس تلك المدة الطويلة، لأنه تعالى علم أنه لا يتفاوت أحوال الناس بسبب وسوسته، فبتقدير أن لا يوجد إبليس ولا وسوسته