بالسيئة قبل الحسنة والمراد بالسيئة ههنا نزول العذاب عليهم كما قال الله تعالى عنهم في قوله: * (فأمطر علينا حجارة) * (الأنفال: 32) وفي قوله: * (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * (الإسراء: 90) إلى قوله: * (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) * (الإسراء: 92) وإنما قالوا ذلك طعنا منهم فيما ذكره الرسول، وكان صلى الله عليه وسلم يعدهم على الإيمان بالثواب في الآخرة وبحصول النصر والظفر في الدنيا فالقوم طلبوا منه نزول العذاب ولم يطلبوا منه حصول النصر والظفر فهذا هو المراد بقوله: * (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) * ومنهم من فسر الحسنة ههنا بالإمهال والتأخير وإنما سموا العذاب سيئة لأنه يسوءهم ويؤذيهم.
أما قوله: * (وقد خلت من قبلهم المثلات) * فاعلم أن العرب يقولون: العقوبة مثلة ومثلة صدقة وصدقة، فالأولى لغة الحجاز، والثانية لغة تميم، فمن قال مثلة فجمعه مثلات، ومن قال مثلة فجمعه مثلات ومثلاث بإسكان التاء هكذا حكاه الفراء والزجاج، وقال ابن الأنباري رحمه الله: المثلة العقوبة المبينة في المعاقب شيئا، وهو تغيير تبقى الصورة معه قبيحة، وهو من قولهم، مثل فلان بفلان إذا قبح صورته إما بقطع أذنه أو أنفه أو سمل عينيه أو بقر بطنه فهذا هو الأصل، ثم يقال للعار الباقي، والخزي اللازم مثلة. قال الواحدي: وأصل هذا الحرف من المثل الذي هو الشبه، ولما كان الأصل أن يكون العقاب مشابها للمعاقب ومماثلا له لا جرم سمي بهذا الاسم. قال صاحب " الكشاف ": قرىء (المثلات) بضمتين لاتباع الفاء العين، (والمثلات) بفتح الميم وسكون الثاء كما يقال: السمرة، والمثلات، بضم الميم وسكون الثاء تخفيف المثلات بضمتين، والمثلات جمع مثلة كركبة وركبات. إذا عرفت هذا فنقول معنى الآية: ويستعجلونك بالعذاب الذي لم نعاجلهم به، وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية فلم يعتبروا بها، وكان ينبغي أن يردعهم خوف ذلك عن الكفر اعتبارا بحال من سلف.
أما قوله: * (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) * فاعلم أن أصحابنا تمسكوا بهذه الآية على أنه تعالى قد يعفو عن صاحب الكبيرة قبل التوبة، ووجه الاستدلال به أن قوله تعالى: * (لذو مغفرة للناس على ظلمهم) * أي حال اشتغالهم بالظلم كما أنه يقال: رأيت الأمير على أكله أي حال اشتغاله بالأكل فهذا يقتضي كونه تعالى غافرا للناس حال اشتغالهم بالظلم، ومعلوم أن حال اشتغال الإنسان بالظلم لا يكون تائبا فدل هذا على أنه تعالى قد يغفر الذنب قبل الاشتغال بالتوبة. ثم نقول: ترك العمل بهذا الدليل في حق الكفر، فوجب أن يبقى معمولا به في حق أهل الكبيرة وهو المطلوب، أو نقول: إنه تعالى لم يقتصر على قوله: * (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) * بل ذكر معه قوله