فالله أحق أن يعفو وأن يصفح ". قلنا: فهذا الحديث وإن وقع جوابا عن هذا السؤال في صوم رمضان إلا أن لفظه عام، وتعليله عام في جميع الصيامات، وقد ثبت في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكان ذلك من أقوى الدلائل على جواز التفريق ههنا أيضا. المسألة الثالثة: من صام ستة أيام عن يمينين أجزأه سواء عين إحدى الثلاثتين لإحدى اليمينين أو لا والدليل عليه أنه تعالى أوجب صيام ثلاثة أيام عليه، وقد أتى بها، فوجب أن يخرج عن العهدة. ثم قال تعالى: * (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) * قوله * (ذلك) * إشارة إلى ما تقدم ذكره من الطعام والكسوة وتحرير الرقبة، أي ذلك المذكور كفارة أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم لأن الكفارة لا تجب بمجرد الحلف، إلا أنه حذف ذكر الحنث لكونه معلوما، كما قال: * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * (البقرة: 184) أي فأفطر. احتج الشافعي بهذه الآية على أن التكفير قبل الحنث جائز فقال: الآية دلت على أن كل واحد من الأشياء الثلاثة كفارة لليمين عند وجود الحلف، فإذا أداها بعد الحلف قبل الحنث فقد أدى الكفارة عن ذلك اليمين، وإذا كان كذلك وجب أن يخرج عن العهدة. قال: وقوله * (إذا حلفتم) * فيه دقيقة وهي التنبيه على أن تقديم الكفارة قبل اليمين لا يجوز، وأما بعد اليمين وقبل الحنث فإنه يجوز.
ثم قال تعالى: * (واحفظوا أيمانكم) * وفيه وجهان: الأول: المراد منه قللوا الأيمان ولا تكثروا منها قال كثير: قليل الألا يا حافظ ليمينه * وإن سبقت منه الألية برت فدل قوله (وإن سبقت منه الألية) على أن قوله (حافظ ليمينه) وصف منه له بأنه لا يحلف. الثاني: واحفظوا أيمانكم إذا حلفتم عن الحنث لئلا تحتاجوا إلى التفكير، واللفظ محتمل للوجهين، إلا أن على هذا التقدير يكون مخصوصا بقوله عليه السلام: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه ". ثم قال: تعالى: * (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون) * والمعنى ظاهر، والكلام في لفظ لعل تقدم مرارا.