المسألة الأولى: المراد بالصيد قولان. الأول: أنه الذي توحش سواء كان مأكولا أو لم يكن، فعلى هذا المحرم إذا قتل سبعا لا يؤكل لحمه ضمن ولا يجب به قيمة شاة، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال زفر: يجب بالغا ما بلغ. والقول الثاني: أن الصيد هو ما يؤكل لحمه، فعلى هذا لا يجب الضمان البتة في قتل السبع، وهو قول الشافعي رحمه الله وسلم أبو حنيفة رحمه الله أنه لا يجب الضمان في قتل الفواسق الخمس وفي قتل الذئب حجة الشافعي رحمه الله القرآن والخبر، أما القرآن فهو أن الذي يحرم أكله ليس بصيد، فوجب أن لا يضمن، إنما قلنا إنه ليس بصيد لأن الصيد ما يحل أكله لقوله تعالى بعد هذه الآية * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * (المائدة: 96) فهذا يقتضي حل صيد البحر بالكلية، وحل صيد البر خارج وقت الاحرام، فثبت أن الصيد ما يحل أكله والسبع لا يحل أكله، فوجب أن لا يكون صيدا، وإذا ثبت أنه ليس بصيد وجب أن لا يكون مضمونا، لأن الأصل عدم الضمان، تركنا العمل به في ضمان الصيد بحكم هذه الآية، فبقي فيما ليس بصيد على وفق أوصل، وأما الخبر فهو الحديث المشهور وهو قوله عليه السلام: " خمس فواسق لا جناح على المحرم أن يقتلهن في الحل والحرم الغراب والحدأة والحية والعقرب والكلب العقور " وفي رواية أخرى: والسبح الضاري، والاستدلال به من وجوه: أحدها: أن قوله: والسبع الضاري نص في المسألة، وثانيها: أنه عليه السلام وصفها بكونها فواسق ثم حكى بحل قتلها، والحكم المذكور عقيب الوصف المناسب مشعر بكون الحكم معللا بذلك الوصف، وهذا يدل على أن كونها فواسق علة لحل قتلها، ولا معنى لكونها فواسق إلا كونها مؤذية، وصفة الايذاء في السباع أقوى فوجب جوا " قتلها، وثالثها: أن الشارع خصها بإباحة القتل، وإنما خصها بهذا الحكم لاختصاصها بمزيد الايذاء، وصفة الايذاء في السباع أتم، فوجب القول بجواز قتلها. وإذا ثبت جواز قتلها وجب أن لا تكون مضمونة لما بيناه في الدليل الأول. حجة أبي حنيفة رحمه الله: أن السبع صيد فيدخل تحت قوله * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * وإنما قلنا إنه صيد لقول الشاعر: ليث تربى ربية فاصطيدا ولقول علي عليه السلام:
فصيد الملوك أرانب وثعالب * وإذا ركبت فصيدي الأبطال والجواب: قد بينا بدلالة الآية أن ما يحرم أكله ليس بصيد، وذلك لا يعارضه شعر مجهول، وأما شعر علي عليه السلام فغير وارد، لأن عندنا الثعلب حلال.