أعناقهم جزاء لهم على هذا القول.
فإن قيل: فإذا كان هذا الغل إنما حكم به جزاء لهم على هذا القول، فكان ينبغي أن يقال: فغلت أيديهم. قلنا: حذف العطف وإن كان مضمرا إلا أنه حذف لفائدة، وهي أنه لما حذف كان قوله * (غلت أيديهم) * كالكلام المبتدأ به، وكون الكلام مبتدأ به يزيده قوة ووثاقة؛ لأن الابتداء بالشيء يدل على شدة الاهتمام به وقوة الاعتناء بتقريره، ونظير هذا الموضع في حذف فاء التعقيب قوله تعالى: * (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا) * (البقرة: 67) ولم يقل: فقالوا أتتخذنا هزوا. وأما قوله * (ولعنوا بما قالوا) * قال الحسن عذبوا في الدنيا بالجزية وفي الآخرة بالنار. ثم قال تعالى: * (بل يداه مبسوطتان) *. واعلم أن الكلام في هذه الآية من المهمات، فإن الآيات الكثيرة من القرآن ناطقة بإثبات اليد، فتارة المذكور هو اليد من غير بيان العدد. قال تعالى: * (يد الله فوق أيديهم) * (الفتح: 10) وتارة بإثبات اليدين لله تعالى: منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى لإبليس الملعون * (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) * (ص: 75) وتارة بإثبات الأيدي. قال تعالى: * (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما) * (يس: 71). إذا عرفت هذا فنقول اختلفت الأمة في تفسير يد الله تعالى، فقالت المجسمة: إنها عضو جسماني كما في حق كل أحد، واحتجوا عليه بقوله تعالى: * (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) * (الأعراف: 195) وجه الاستدلال أنه تعالى قدح في إلهية الأصنام لأجل أنها ليس لها شيء من هذه الأعضاء، فلو لم تحصل لله هذه الأعضاء لزم القدح في كونه إلها، ولما بطل ذلك وجب إثبات هذه الأعضاء له قالوا وأيضا اسم اليد موضوع لهذا العضو، فحمله على شيء آخر ترك للغة، وإنه لا يجوز.
واعلم أن الكلام في إبطال هذا القول مبني على أنه تعالى ليس بجسم، والدليل عليه أن الجسم لا ينفك عن الحركة والسكون، وهما محدثان، وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث، ولأن كل جسم فهو متناه في المقدار، وكل ما كان متناهيا في المقدار فهو محدث، ولأن كل جسم فهو مؤلف من الأجزاء، وكل ما كان كذلك كان قابلا للتركيب والانحلال، وكل ما كان كذلك افتقر إلى ما يركبه ويؤلفه، وكل ما كان كذلك فهو محدث، فثبت بهذه الوجوه أنه يمتنع كونه تعالى جسما، فيمتنع أن تكون يده عضوا جسمانيا.
وأما جمهور الموحدين فلهم في لفظ اليد قولان: الأول: قول من يقول: القرآن لما دل