المسألة الثالثة: تمسك من طعن في عصمة الأنبياء بهذه الآية وقال: لولا جواز المعصية عليهم وإلا لما قال: * (ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) *. والجواب: أن ذلك مقدور له ولكن لا يفعله لمكان النهي. وقيل: الخطاب له والمراد غيره. ثم قال تعالى: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: لفظ (الشرعة: في اشتقاقه وجهان: الأول: معنى شرع بين وأوضح. قال ابن لسكيت: لفظ الشرع مصدر: شرعت الإهاب، إذا شققته وسلخته. الثاني: شرع مأخوذ من الشروع في الشيء وهو الدخول فيه، والشريعة في كلام العرب المشرعة التي يشرعها الناس فيشربون منها، فالشريعة فعلية بمعنى المفعولة، وهي الأشياء التي أوجب الله تعالى على المكلفين أن يشرعوا فيها، وأما المنهاج فهو الطريق الواضح، يقال: انهجب لك الطريق وأنهجب لغتان. المسألة الثانية: احتج أكثر العلماء بهذه الآية على أن شرع من قبلنا لا يلزمنا، لأن قوله * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * يدل على أنه يجب أن يكون كل رسول مستقلا بشريعة خاصة، وذلك ينفي كون أمة أحد الرسل مكلفة بشريعة الرسول الآخر. المسألة الثالثة: وردت آيات دالة على عدم التباين في طريقة الأنبياء والرسل، وآيات دالة على حصول التباين فيها. أما النوع الأول: فقوله: * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) * (الشورى: 13) إلى قوله * (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) * (الشورى: 13) وقال * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * (الأنعام: 90). وأما النوع الثاني: فهو هذه الآية، وطريق الجمع أن نقول: النوع الأول من الآيات مصروف إلى ما يتعلق بأصول الدين، والنوع الثاني مصروف إلى ما يتعلق بفروع الدين. المسألة الرابعة: الخطاب في قوله * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * خطاب للأمم الثلاث: أمة موسى، وأمة عيسى، وأمة محمد عليهم السلام، بدليل أن ذكر هؤلاء الثلاثة قد تقدم في قوله * (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) * (المائدة: 44) ثم قال * (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم) * (المائدة: 46) ثم قال * (وأنزلنا إليك الكتاب) * (المائدة: 48). ثم قال: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * يعني شرائع مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة. المسألة الخامسة: قال بعضهم: الشرعة والمنهاج عبارتان عن معنى واحد، والتكرير للتأكيد
(١٢)