وقيل: أنه لما قال: * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * فكأنه قيل: وما تلك الرحمة؟ فقيل: إنه تعالى * (ليجمعنكم إلى يوم القيامة) * وذلك لأنه لولا خوف العذاب يوم القيامة لحصل الهرج والمرج ولارتفع الضبط وكثر الخبط، فصار التهديد بيوم القيامة من أعظم أسباب الرحمة في الدنيا، فكان قوله * (ليجمعنكم إلى يوم القيامة) * كالتفسير لقوله * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) *. البحث الثالث: أن قوله * (قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله) * كلام ورد على لفظ الغيبة. وقوله * (ليجمعنكم إلى يوم القيامة) * كلام ورد على سبيل المخاطبة. والمقصود منه التأكيد في التهديد، كأنه قيل: لما علمتم أن كل ما في السماوات والأرض لله وملكه، وقد علمتم أن الملك الحكيم لا يهمل أمر رعيته ولا يجوز في حكمته أن يسوي بين المطيع والعاصي وبين المشتغل بالخدمة والمعرض عنها، فهلا علمتم أنه يقيم القيامة ويحضر الخلائق ويحاسبهم في الكل؟ البحث الرابع: ان كلمة * (إلى) * في قوله * (إلى يوم القيامة) * فيها أقوال: الأول: أنها صلة والتقدير: ليجمعنكم يوم القيامة. وقيل: * (إلى) * بمعنى في أي ليجمعنكم في يوم القيامة. وقيل: فيه حذف أي ليجمعنكم إلى المحشر في يوم القيامة، لأن الجمع يكون إلى المكان لا إلى الزمان. وقيل: ليجمعنكم في الدنيا بخلقكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة. أما قوله * (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) * ففيه أبحاث: الأول: في هذه الآية قولان: الأول: أن قوله * (الذين) * موضعه نصب على البدل من الضمير في قوله * (ليجمعنكم) * والمعنى ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم وهو قول الأخفش. والثاني: وهو قول الزجاج، أن قوله * (الذين خسروا أنفسهم) * رفع بالابتداء، وقوله * (فهم لا يؤمنون) * خبره، لأن قوله * (ليجمعنكم) * مشتمل على الكل، على الذين خسروا أنفسهم وعلى غيرهم " والفاء " في قوله * (فهم) * يفيد معنى الشرط والجزاء، كقولهم: الذي يكرمني فله درهم، لأن الدرهم وجب بالاكرام فكان الاكرام شرطا والدرهم جزاء.
فإن قيل: ظاهر اللفظ يدل على أن خسرانهم سبب لعدم إيمانهم، والأمر على العكس. قلنا: هذا يدل على أن سبق القضاء بالخسران والخذلان، هو الذي حملهم على الامتناع من الايمان، وذلك عين مذهب أهل السنة.