من الاصلاح لا غير. وقوله (هل ترى من فطور) و (إذا السماء انفطرت) من الافساد، وأصلهما واحد ثم قال تعالى (وهو يطعم ولا يطعم) أي وهو الرازق لغيره ولا يرزقه أحد.
فان قيل: كيف فسرت الاطعام بالرزق؟ وقد قال تعالى (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) والعطف يوجب المغايرة.
قلنا: لا شك في حصول المغايرة بينهما، إلا أنه قد يحسن جعل أحدهما كناية عن الآخر لشدة ما بينهما من المقاربة. والمقصود من الآية: أن المنافع كلها من عنده، ولا يجوز عليه الانتفاع.
وقرى (ولا يطعم) بفتح الياء وروى ابن المأمون عن يعقوب (وهو يطعم ولا يطعم) على بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل، وعلى هذا التقدير: فالضمير عائد إلى المذكور في قوله (أغير الله) وقرأ الأشهب (وهو يطعم ولا يطعم) على بنائهما للفاعل، وفسر بأن معناه: وهو يطعم ولا يستطعم.
وحكى الأزهري: أطعمت بمعنى استطعت. ويجوز أن يكون المعنى: وهو يطعم تارة ولا يطعم أخرى على حسب المصالح كقوله: وهو يعطى ويمنع، ويبسط ويقدر، ويغني ويفقر.
واعلم أن المذكور في صدر الآية هو المنع من اتخاذ غير الله تعالى وليا. واحتج عليه بأنه فاطر السماوات والأرض وبأنه يطعم ولا يطعم. ومتى كان الامر كذلك امتنع اتخاذ غيره وليا. أما بيان أنه فاطر السماوات والأرض، فلانا بينا أن ما سوى الواحد ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يقع موجود إلا بايجاد غيره، فنتج أن ما سوى الله فهو حاصل بايجاده وتكوينه. فثبت أنه سبحانه هو الفاطر لكل ما سواه من الموجودات. وأما بيان أنه يطعم ولا يطعم فظاهره لان الاطعام عبارة عن إيصال المنافع، وعدم الاستطعام عبارة عن عدم الانتفاع، ولما كان واجبا لذاته كان لا محالة غنيا ومتعاليا عن الانتفاع بشئ آخر. فثبت بالبرهان صحة أنه تعالى فاطر السماوات والأرض، وصحة أنه يطعم ولا يطعم، وإذا ثبت هذا امتنع في العقل اتخاذ غير وليا. لان ما سواه محتاج في ذاته وفى جميع صفاته وفى جميع ما تحت يده. والحق سبحانه هو الغنى لذاته. الجواد لذاته، وترك الغنى الجواد والذهاب إلى الفقير المحتاج ممنوع عنه في صريح العقل.
وإذا عرفت هذ 1 فنقول: قد سيق في هذا الكتاب بيان أن الولي معناه الأصلي في اللغة: هو القريب. وقد ذكرنا وجوه الاشقاقات فيه. فقوله (قل أغير الله أتخذ وليا) يمنع من القرب من غير الله. فهذا يقتضى تنزيه القلب عن الالتفات إلى غير الله تعالى، وقطع العلائق عن كل ما سوى الله تعالى.