المسألة الأولى: القائلون بأن الله تعالى مختص بالمكان تمسكوا بهذه الآية وهو قوله * (وهو الله في السماوات) * وذلك يدل على أن الإله مستقر في السماء قالوا:
ويتأكد هذا أيضا بقوله تعالى: * (أأمنتم من في السماء أن يخسف) * (الملك: 16) قالوا: ولا يلزمنا أن يقال فيلزم أن يكون في الأرض لقوله تعالى في هذه الآية * (وهو الله في السماوات وفي الأرض) * وذلك يقتضي حصوله تعالى في المكانين معا وهو محال لأنا نقول أجمعنا على أنه ليس بموجود في الأرض، ولا يلزم من ترك العمل بأحد الظاهرين ترك العمل بالظاهر الآخر من غير دليل، فوجب أن يبقى ظاهر قوله * (وهو الله في السماوات) * على ذلك الظاهر، ولأن من القراء من وقف عند قوله * (وهو الله في السماوات) * ثم يبتدئ فيقول * (وفي الأرض يعلم سركم) * والمعنى أنه سبحانه يعلم سرائركم الموجودة في الأرض فيكون قوله * (في الأرض) * صلة لقوله * (سركم) * هذا تمام الكلام. وأعلم أنا نقيم الدلالة أولا على أنه لا يمكن حمل هذا الكلام على ظاهره، وذلك من وجوه: الأول: أنه تعالى قال في هذه السورة * (قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله) * (الأنعام: 12) فبين بهذه الآية أن كل ما في السماوات والأرض فهو ملك لله تعالى ومملوك له، فلو كان الله أحد الأشياء الموجودة في السماوات لزم كونه ملكا لنفسه، وذلك محال، ونظير هذه الآية قوله في سورة طه * (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما) * (طه: 6) فإن قالوا قوله * (قل لمن ما في السماوات والأرض) * هذا يقتضي أن كل ما في السماوات فهو لله إلا أن كلمة ما مختصة بمن لا يعقل فلا يدخل فيها ذات الله تعالى. قلنا: لا نسلم والدليل عليه قوله * (والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها * ونفس وما سواها) * (الشمس: 5 - 7) ونظيره * (ولا أنتم عابدون ما أعبد) * (الكافرون: 3) ولا شك أن المراد بكلمة ما ههنا هو الله سبحانه. والثاني: أن قوله * (وهو الله في السماوات) * إما أن يكون المراد منه أنه موجود في جميع السماوات، أو المراد أنه موجود في سماء واحدة. والثاني: ترك للظاهر والأول: على قسمين لأنه إما أن يكون الحاصل منه تعالى في أحد السماوات عين ما حصل منه في سائر السماوات أو غيره، والأول: يقتضي حصول المتحيز الواحد في مكانين وهو باطل ببديهة العقل.
الثاني: يقتضي كونه تعالى مركبا من الأجزاء والأبعاض وهو محال. والثالث: أنه لو كان موجودا في السماوات لكان محدودا متناهيا وكل ما كان كذلك كان قبوله للزيادة والنقصان ممكنا، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدر وكل ما كان كذلك فهو محدث. والرابع: أنه لو كان في السماوات فهل يقدر على خلق عالم آخر فوق السماوات أو لا يقدر، والثاني: يوجب تعجيزه والأول: يقتضي أنه تعالى لو فعل ذلك لحصل تحت هذا العالم، والقوم ينكرون كونه تحت العالم