فضعيف أيضا لأن عمر رضي الله عنه روى أن قوله: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " كان قرآنا فلعل النسخ إنما وقع به، وتمام الكلام فيه مذكور في أصول الفقه والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) * فتنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره على قدرته تعالى على تصريف المكلف تحت مشيئته وحكمه وحكمته، وأنه لا دافع لما أراد ولا مانع لما اختار.
المسألة التاسعة: استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن القرآن مخلوق من وجوه، أحدها: أن كلام الله تعالى لو كان قديما لكان الناسخ والمنسوخ قديمين، لكن ذلك محال، لأن الناسخ يجب أن يكون متأخرا عن المنسوخ، والمتأخر عن الشيء يستحيل أن يكون قديما، وأما المنسوخ فلأنه يجب أن يزول ويرتفع، وما ثبت زواله استحال قدمه بالإتفاق، وثانيها: أن الآية دلت على أن بعض القرآن خير من بعض، وما كان كذلك لا يكون قديما، وثالثها: أن قوله: * (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) * يدل على أن المراد أنه تعالى هو القادر على نسخ بعضها والإتيان بشيء آخر بدلا من الأول، وما كان داخلا تحت القدرة وكان فعلا كان محدثا، أجاب الأصحاب عنه: بأن كونه ناسخا ومنسوخا إنما هو من عوارض الألفاظ والعبارات واللغات ولا نزاع في حدوثها، فلم قلتم إن المعنى الحقيقي الذي هو مدلول العبارات والاصطلاحات محدث؟ قالت المعتزلة: ذلك المعنى الذي هو مدلول العبارات واللغات لا شك أن تعلقه الأول قد زال وحدث له تعلق آخر، فالتعلق الأول محدث لأنه زال والقديم لا يزول، والتعلق الثاني حادث لأنه حصل بعدما لم يكن، والكلام الحقيقي لا ينفك عن هذه التعلقات، وما لا ينفك عن هذه التعلقات (محدث) وما لا ينفك عن المحدث محدث والكلام الذي تعلقت به يلزم أن يكون محدثا. أجاب الأصحاب: أن قدرة الله كانت في الأزل متعلقة بإيجاد العالم، فعند دخول العالم في الوجود هل بقي ذلك التعلق أو لم يبق؟ فإن بقي يلزم أن يكون القادر قادرا على إيجاد الموجود وهو محال، وإن لم يبق فقد زال ذلك التعلق فيلزمكم حدوث قدرة الله على الوجه الذي ذكرتموه، وكذلك علم الله كان متعلقا بأن العالم سيوجد، فعند دخول العالم في الوجود إن بقي التعلق الأول كان جهلا، وإن لم يبق فيلزمكم كون التعلق الأول حادثا، لأنه لو كان قديما لما زال، وبكون التعلق الذي حصل بعد ذلك حادثا فإذن عالمية الله تعالى لا تنفك عن التعلقات الحادثة، وما لا ينفك عن المحدث محدث فعالمية الله محدثة. فكل ما تجعلونه جوابا عن العالمية والقادرية فهو جوابنا عن الكلام.
المسألة العاشرة: احتجوا بقوله تعالى: * (إن الله على كل شيء قدير) * على أن المعدوم شيء وقد تقدم وجه تقريره فلا نعيده، والقدير فعيل بمعنى الفاعل وهو بناء المبالغة.