إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * (المجادلة: 12) ثم نسخ ذلك، قال أبو مسلم: إنما زال ذلك لزوال سببه لأن سبب التعبد بها أن يمتاز المنافقون من حيث لا يتصدقون عن المؤمنين، فلما حصل هذا الغرض سقط التعبد. والجواب: لو كان كذلك لكان من لم يتصدق منافقا وهو باطل لأنه روي أنه لم يتصدق غير علي رضي الله عنه ويدل عليه قوله تعالى: * (فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم) * (المجادلة: 13).
الحجة الرابعة: أنه تعالى أمر بثبات الواحد للعشرة بقوله تعالى: * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) * (الأنفال: 65، 66).
الحجة الخامسة: قوله تعالى: * (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) * (البقرة: 142) ثم إنه تعالى أزالهم عنها بقوله: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * (البقرة: 144). قال أبو مسلم: حكم تلك القبلة ما زال بالكلية لجواز التوجه إليها عند الإشكال أو مع العلم إذا كان هناك عذر. الجواب: أن على ما ذكرته لا فرق بين بيت المقدس وسائر الجهات، فالخصوصية التي بها امتاز بيت المقدس عن سائر الجهات قد زالت بالكلية فكان نسخا.
الحجة السادسة: قوله تعالى: * (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر) * (النحل: 101) والتبديل يشتمل على رفع وإثبات، والمرفوع إما التلاوة وإما الحكم، فكيف كان فهو رفع ونسخ، وإنما أطنبنا في هذه الدلائل لأن كل واحد منها يدل على وقوع النسخ في الجملة واحتج أبو مسلم بأن الله تعالى وصف كتابه بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلو نسخ لكان قد أتاه الباطل. والجواب: أن المراد أن هذا الكتاب لم يتقدمه من كتب الله ما يبطله ولا يأتيه من بعده أيضا ما يبطله. المسألة السابعة: المنسوخ إما أن يكون هو الحكم فقط أو التلاوة فقط أو هما معا، أما الذي يكون المنسوخ هو الحكم دون التلاوة فكهذه الآيات التي عددناها، وأما الذي يكون المنسوخ هو التلاوة فقط فكما يروى عن عمر أنه قال: كنا نقرأ آية الرجم: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم " وروي: " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب "، وأما الذي يكون منسوخ الحكم والتلاوة معا، فهو ما روت عائشة رضي الله عنها أن القرآن قد نزل في الرضاع بعشر معلومات ثم نسخن بخمس معلومات، فالعشر مرفوع التلاوة والحكم جميعا والخمس مرفوع التلاوة باقي الحكم. ويروى أيضا أن سورة الأحزاب كانت بمنزلة السبع الطوال أو أزيد ثم وقع النقصان فيه.
المسألة الثامنة: اختلف المفسرون في قوله تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها) * فمنهم من