السؤال الرابع: أنه عليه الصلاة والسلام نهي عن تمني الموت فقال: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ولكن ليقل اللهم أحيني إن كانت الحياة خيرا لي وتوفني إن كانت الوفاة خيرا لي " وأيضا قال الله تعالى في كتابه: * (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها) * (الشورى: 18) فكيف يجوز أن ينهي عن الاستعجال، ثم إنه يتحدى القوم بذلك.
السؤال الخامس: أن لفظ التمني مشترك بين التمني الذي هو المعنى القائم بالقلب وبين اللفظ الدال على ذلك المعنى وهو قول القائل: ليتني مت، لليهود أن يقولوا إنك طلبت منا التمني والتمني لفظ مشترك، فإن ذكرناه باللسان فله أن يقول: ما أردت به هذا اللفظ، وإنما أردت به المعنى الذي في القلب وإن فعلنا ذلك المعنى القائم بالقلب فله أن يقول: كذبتم ما أتيتم بذلك في قلوبكم ولما علم اليهود أنه أتى بلفظة مشتركة لا يمكن الاعتراض عليها لا جرم لم يلتفتوا إليه.
السؤال السادس: هب أن الدار الآخرة لو كانت لهم لوجب أن يتمنوا الموت فلم قلتم إنهم ما تمنوا الموت والاستدلال بقوله تعالى: * (ولن يتمنوه أبدا) * ضعيف لأن الاستدلال بهذا إنما يصح لو ثبت كون القرآن حقا، والنزاع ليس إلا فيه. الجواب: قوله (أولا) كون الموت متضمنا للألم يكون كالصارف عن تمنيه، قلنا كما أن الألم الحاصل عند الحجامة لا يصرف عن الحجامة للعلم الحاصل بأن المنفعة الحاصلة بسبب الحجامة عظيمة وجب أن يكون الأمر ههنا كذلك. قوله ثانيا: إنهم لو قلبوا الكلام على محمد صلى الله عليه وسلم لزمه أن يرضى بالقتل، قلنا: الفرق بين محمد عليه السلام وبينهم أن محمدا كان يقول إني بعثت لتبليغ الشرائع إلى أهل التواتر، وهذا المقصود لم يحصل بعد فلأجل هذا لا أرضى بالقتل وأما أنتم فلستم كذلك فظهر الفرق، قوله ثالثا: كانوا خائفين من عقاب الكبائر، قلنا: القوم ادعوا كون الآخرة خالصة لهم وذلك يؤمنهم من امتزاج ثوابها بالعقاب قوله رابعا: نهى عن تمني الموت قلنا هذا النهي طريقة الشرع فيجوز أن يختلف الحال فيه بحسب اختلاف الأوقات، روي أن عليا رضي الله عنه كان يطوف بين الصفين في غلالة فقال له ابنه الحسن رضي الله عنه ما هذا بزي المحاربين فقال يا بني لا يبالي أبوك أعلى الموت سقط أم عليه يسقط الموت، وقال عمار رضي الله عنه بصفين:
الآن ألاقي الأحبة * محمدا وحزبه وقد ظهر عن الأنبياء في كثير من الأوقات تمنى الموت على أن هذا النهي مختص بسبب مخصوص فإنه عليه الصلاة والسلام حرم أن يتمنى الإنسان الموت عند الشدائد لأن ذلك كالجزع والخروج عن الرضاء بما قسم الله، فأين هذا من التمني الذي يدل على صحة النبوة. قوله خامسا: إنهم ما عرفوا أن المراد هو التمني باللسان أو بالقلب، قلنا: التمني في لغة العرب لا يعرف إلا ما يظهر (منه) كما أن الخبر لا يعرف إلا ما يظهر بالقول والذي في القلب من ذلك لا يسمى بهذا الاسم