يكتب كما علمه الله) *. وإنما يكون الناسخ ما لم يجز اجتماع حكمه وحكم المنسوخ في حال واحدة على السبيل التي قد بيناها، فأما ما كان أحدهما غير ناف حكم الآخر، فليس من الناسخ والمنسوخ في شئ.
ولو وجب أن يكون قوله: * (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * ناسخا قوله: * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله) *، لوجب أن يكون قوله: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا) * ناسخا الوضوء بالماء في الحضر عند وجود الماء فيه، وفي السفر الذي فرضه الله عز وجل بقوله: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) * وأن يكون قوله في كفارة الظهار: * (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) * ناسخا قوله: * (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) *.
فيسأل القائل إن قول الله عز وجل: * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * ناسخ قوله: * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * ما الفرق بينه وبين القائل في التيمم وما ذكرنا قوله، فزعم أن كل ما أبيح في حال الضرورة لعلة الضرورة ناسخ حكمه في حال الضرورة حكمه في كل أحواله، نظير قوله في أن الامر باكتتاب كتب الديون والحقوق منسوخ بقوله: * (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) *؟
فإن قال: الفرق بيني وبينه أن قوله: * (فإن أمن بعضكم بعضا) * كلام منقطع عن قوله:
* (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) * وقد انتهى الحكم في السفر إذا عدم فيه الكاتب بقوله: * (فرهان مقبوضة) *. وإنما عنى بقوله: * (فإن أمن بعضكم بعضا) * إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى، فأمن بعضكم بعضا، فليؤد الذي اؤتمن أمانته. قيل له: وما البرهان على ذلك من أصل أو قياس وقد انقضى الحكم في الدين الذي فيه إلى الكاتب والكتاب سبيل بقوله: * (ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم) *؟ وأما الذين زعموا أن قوله:
* (فاكتبوه) * وقوله: * (ولا يأب كاتب) * على وجه الندب والارشاد، فإنهم يسألون البرهان