اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأ عامة أهل الحجاز والمدينة وبعض أهل العراق:
* (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) * بفتح الألف من أن ونصب تضل وتذكر، بمعنى: فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان كي تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت. وهو عندهم من المقدم الذي معناه التأخير، لان التذكير عندهم هو الذي يجب أن يكون مكان تضل، لان المعنى ما وصفنا في قولهم. وقالوا: إنما نصبنا تذكر، لان الجزاء لما تقدم اتصل بما قبله فصار جوابه مردودا عليه، كما تقول في الكلام: إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى، بمعنى أنه ليعجبني أن يعطى السائل إن سأل أو إذا سأل، فالذي يعجبك هو الاعطاء دون المسألة. ولكن قوله أن يسأل لما تقدم اتصل بما قبله، وهو قوله: ليعجبني فتح أن ونصب بها، ثم أتبع ذلك قوله: يعطى، فنصبه بنصب قوله:
ليعجبني أن يسأل، نسقا عليه، وإن كان في معنى الجزاء.
وقرأ ذلك آخرون كذلك، غير أنهم كانوا يقرءونه بتسكين الذال من تذكر وتخفيف كافها. وقارئو ذلك كذلك مختلفون فيما بينهم في تأويل قراءتهم إياه كذلك. وكان بعضهم يوجهه إلى أن معناه: فتصير إحداهما الأخرى ذكرا باجتماعهما، بمعنى أن شهادتها إذا اجتمعت وشهادة صاحبتها جازت، كما تجوز شهادة الواحد من الذكور في الدين، لان شهادة كل واحدة منهما منفردة غير جائزة فيما جازت فيه من الديون إلا باجتماع اثنتين على شهادة واحد، فتصير شهادتهما حينئذ منزلة شهادة واحد من الذكور. فكأن كل واحدة منهما في قول متأولي ذلك بهذا المعنى صيرت صاحبتها معها ذكرا، وذهب إلى قول العرب: لقد أذكرت بفلان أمه، أي ولدته ذكرا، فهي تذكر به، وهي امرأة مذكرة إذا كانت تلد الذكور من الأولاد. وهذا قول يروى عن سفيان بن عيينة أنه كان يقوله.
حدثت بذلك عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال: حدثت عن سفيان بن عيينة أنه قال: ليس تأويل قوله: * (فتذكر إحداهما الأخرى) * من الذكر بعد النسيان إنما هو من الذكر، بمعنى أنها إذا شهدت مع الأخرى صارت شهادتهما كشهادة الذكر.
وكان آخرون منهم يوجهونه إلى أنه بمعنى الذكر بعد النسيان.
وقرأ ذلك آخرون: إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى بكسر إن من قوله:
إن تضل ورفع تذكر وتشديده. كأنه بمعنى ابتداء الخبر عما تفعل المرأتان، إن نسيت