وأولى التأويلين بالصواب، ما قاله مجاهد والربيع، وأن ذلك وصف من الله تعالى ذكره نفسه بأنه القائم بأمر كل شئ في رزقه والدفع عنه، وكلاءته وتدبيره وصرفه في قدرته، من قول العرب: فلان قائم بأمر هذه البلدة، يعنى بذلك: المتولي تدبير أمرها.
فالقيوم إذ كان ذلك معناه الفيعول من قول القائل: الله يقول بأمر خلقه، وأصله القيووم، غير أن الواو الأولى من القيوم لما سبقتها ياء ساكنة وهي متحركة قلبت ياء، فجعلت هي والياء التي قبلها ياء مشددة، لان العرب كذلك تفعل بالواو المتحركة إذا تقدمتها ياء ساكنة.
وأما القيام، فإن أصله القيوام، وهو الفيعال، من قام يقوم، سبقت الواو المتحركة من قيوام ياء ساكنة، فجعلتا جميعا ياء مشددة. ولو أن القيوم فعول، كان القووم، ولكنه الفيعول، وكذلك القيام لو كان الفعال لكان القوام، كما قيل: الصوام والقوام، وكما قال جل ثناؤه:
* (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) *، ولكنه الفيعال فقيل: القيام. وأما القيم فهو الفيعل من قام يقوم، سبقت الواو المتحركة ياء ساكنة فجعلتا ياء مشددة، كما قيل: فلان سيد قومه، من ساد يسود، وهذا طعام جيد من جاد يجود، وما أشبه ذلك. وإنما جاء ذلك بهذه الألفاظ لأنه قصد به قصد المبالغة في المدح، فكان القيوم والقيام والقيم أبلغ في المدح من القائم. وإنما كان عمر رضي الله عنه يختار قراءته إن شاء الله القيام، لان ذلك الغالب على منطق أهل الحجاز في ذوات الثلاثة من الياء والواو، فيقولون للرجل الصواغ:
الصياغ، ويقولون للرجل الكثير الدوران الديار. وقد قيل إن قول الله جل ثناؤه: * (لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * إنما هو دوارا فعالا من دار يدور، ولكنها نزلت بلغة أهل الحجاز، وأقرت كذلك في المصحف. القول في تأويل قوله تعالى:
* (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل ئ من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) * يقول جل ثناؤه: يا محمد إن ربك ورب عيسى ورب كل شئ، هو الرب الذي أنزل عليك * (الكتاب) * يعني بالكتاب: القرآن. * (بالحق) * يعني بالصدق فيما اختلف فيه أهل التوراة والإنجيل، وفيما خالفك فيه محاجوك من نصارى أهل نجران، وسائر أهل الشرك