وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب، لان إخبار الله عن تنزيله القرآن قبل اخباره عن تنزيله التوراة والإنجيل في هذه الآية قد مضى بقوله: * (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه) * ولا شك أن ذلك الكتاب هو القرآن لا غيره، فلا وجه لتكريره مرة أخرى، إذ لا فائدة في تكريره، ليست في ذكره إياه وخبره عنه ابتداء.
القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد، والله عزيز ذو انتقام) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين جحدوا أعلام الله وأدلته على توحيده وألوهته، وأن عيسى عبد له واتخذوا المسيح إلها وربا، أو ادعوه لله ولدا، * (لهم عذاب) * من الله * (شديد) * يوم القيامة، والذين كفروا هم الذين جحدوا آيات الله. وآيات الله: أعلام الله وأدلته وحججه.
وهذا القول من الله عز وجل، ينبئ عن معنى قوله: * (وأنزل الفرقان) * أنه معني به الفصل الذي هو حجة لأهل الحق على أهل الباطل لأنه عقب ذلك بقوله: * (إن الذين كفروا بآيات الله) * يعني: أن الذين جحدوا ذلك الفصل والفرقان الذي أنزله فرقا بين المحق والمبطل، * (لهم عذاب شديد) * وعيد من الله لمن عاند الحق بعد وضوحه له، وخالف سبيل الهدى بعد قيام الحجة عليه. ثم أخبرهم أنه عزيز في سلطانه لا يمنعه مانع ممن أراد عذابه منهم، ولا يحول بينه وبينه حائل، ولا يستطيع أن يعانده فيه أحد، وأنه ذو انتقام ممن جحد حججه وأدلته، بعد ثبوتها عليه، وبعد وضوحها له ومعرفته بها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) * أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها، ومعرفته بما جاء منه فيها حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: * (إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) *.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن الله لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء) *