القول في تأويل قوله تعالى: * (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: إن في خلقي من الطين الطير بإذن الله، وفي إبرائي الأكمه والأبرص، وإحيائي الموتى، وإنبائي إياكم بما تأكلون، وما تدخرون في بيوتكم، ابتداء من غير حساب وتنجيم، ولا كهانة وعرافة، لعبرة لكم، ومتفكرا تتفكرون في ذلك، فتعتبرون به أني محق في قولي لكم: إني رسول من ربكم إليكم، وتعلمون به أني فيما أدعوكم إليه من أمر الله ونهيه صادق، إن كنتم مؤمنين، يعني: إن كنتم مصدقين حجج الله وآياته، مقرين بتوحيده ونبيه موسى، والتوراة التي جاءكم بها. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون ئ إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) يعني بذلك جل ثناؤه: وبأني قد جئتكم بآية من ربكم، وجئتكم مصدقا مستقيم لما بين يدي من التوراة، ولذلك نصب مصدقا على الحال من جئتكم. والذي يدل على أنه نصب على قوله وجئتكم دون العطف على قوله: وجيها، قوله: * (لما بين يدي من التوراة) * ولو كان عطفا على قوله: وجيها، لكان الكلام: ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وليحل لكم بعض الذي حرم عليكم. وإنما قيل: * (ومصدقا لما بين يدي من التوراة) * لان عيسى صلوات الله عليه كان مؤمنا بالتوراة مقرا بها، وأنها من عند الله، وكذلك الأنبياء كلهم يصدقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لمخالفة الله بينهم في ذلك، مع أن عيسى كان فيما بلغنا عاملا بالتوراة، لم يخالف شيئا من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشددا عليهم فيها. كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن عيسى كان على شريعة موسى (ص)، وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس، فقال لبني إسرائيل: إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلا لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وأضع عنكم من الآصار.