مما يستمتع به في الدنيا أهلها أحياء، فيتبلغون به فيها، ويجعلونه وصلة في معايشهم، وسببا لقضاء شهواتهم، التي زين لهم حبها، في عاجل دنياهم، دون أن يكون عدة لمعادهم، وقربة لهم إلى ربهم، إلا ما أسلك في سبيله، وأنفق منه فيما أمر به.
وأما قوله: * (والله عنده حسن المآب) * فإنه يعني بذلك جل ثناؤه: وعند الله حسن المآب، يعني حسن المرجع. كما:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (والله عنده حسن المآب) * يقول: حسن المنقلب، وهي الجنة.
وهو مصدر على مثال مفعل، من قول القائل: آب الرجل إلينا: إذا رجع، فهو يؤوب إيابا وأوبة وأيبة ومآبا، غير أن موضع الفاء منها مهموز، والعين مبدلة من الواو إلى الألف بحركتها إلى الفتح، فلما كان حظها الحركة إلى الفتح، وكانت حركتها منقولة إلى الحرف الذي قبلها وهو فاء الفعل انقلبت فصارت ألفا، كما قيل: قال: فصارت عين الفعل ألفا، لان حظها الفتح والمآب، مثل المقال والمعاد والمحال، كل ذلك مفعل، منقولة حركة عينه إلى فائه، فتصير وواه أو ياؤه ألفا لفتحة ما قبلها.
فإن قال قائل: وكيف قيل: * (والله عنده حسن المآب) * وقد علمت ما عنده يومئذ من أليم العذاب وشديد العقاب؟ قيل: إن ذلك معني به خاص من الناس، ومعنى ذلك: والله عنده حسن المآب للذين اتقوا ربهم، وقد أنبأنا عن ذلك في هذه الآية التي تليها. فإن قال:
وما حسن المآب؟ قيل: هو ما وصفه به جل ثناؤه، وهو المرجع إلى جنات تجري من تحتها الأنهار مخلدا فيها، وإلى أزواج مطهرة ورضوان من الله. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد) * يعني جل ثناؤه: قل يا محمد للناس الذين زين لهم حب الشهوات، من النساء والبنين، وسائر ما ذكر جل ثناؤه: * (أؤنبئكم) * أأخبركم وأعلمكم * (بخير من ذلكم) * يعني بخير وأفضل لكم. * (من ذلكم) * يعني مما زين لكم في الدنيا حب شهوته من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وأنواع الأموال التي هي متاع الدنيا.