أنفسهم وأموالهم) * ثم قال في مبتدأ الآية التي بعدها * (التائبون العابدون) *، ولو كان جاء ذلك مخفوضا كان جائزا.
ومعنى قوله: * (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا) * الذين يقولون: إننا صدقنا بك وبنبيك، وما جاء به من عندك، * (فاغفر لنا ذنوبنا) * يقول: فاستر علينا بعفوك عنها وتركك عقوبتنا عليها، * (وقنا عذاب النار) * ادفع عنا عذابك إيانا بالنار أن تعذبنا بها. وإنما معنى ذلك: لا تعذبنا يا ربنا بالنار. وإنما خصوا المسألة بأن يقيهم عذاب النار، لان من زحزح يومئذ عن النار فقد فاز بالنجاة من عذاب النار وحسن مآبه. وأصل قوله قنا: من قول القائل: وقى الله فلانا كذا، يراد به: دفع عنه فهو يقيه، فإذا سأل بذلك سائل قال: قني كذا. القول في تأويل قوله تعالى:
* (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) * يعني بقوله: * (الصابرين) * الذين صبروا في البأساء والضراء وحين البأس. ويعني بالصادقين: الذين صدقوا الله في قولهم بتحقيقهم الاقرار به وبرسوله، وما جاء به من عنده بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه. ويعني بالقانتين: المطيعين له. وقد أتينا على الإبانة عن كل هذه الحروف ومعانيها بالشواهد على صحة ما قلنا فيها، وبالأخبار عمن قال فيها قولا فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وقد كان قتادة يقول في ذلك بما:
حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: * (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين) * الصادقين: قوم صدقت أفواههم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم، وصدقوا في السر والعلانية. والصابرين: قوم صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارمه. والقانتون: هم المطيعون لله.
وأما المنفقون: فهم المؤتون زكوات أموالهم، وواضعوها على ما أمرهم الله بإتيانها، والمنفقون أموالهم في الوجوه التي أذن الله لهم جل ثناؤه بإنفاقها فيها. وأما الصابرين والصادقين وسائر هذه الحروف فمخفوض ردا على قوله: * (الذين يقولون ربنا إننا