* (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) * يعني جل ثناؤه بقوله: ذلك الاخبار التي أخبر بها عباده عن امرأة عمران وابنتها مريم وزكريا، وابنه يحيى، وسائر ما قص في الآيات من قوله: * (إن الله اصطفى آدم ونوحا) * ثم جمع جميع ذلك تعالى ذكره بقوله ذلك، فقال: هذه الانباء من أنباء الغيب: أي من أخبار الغيب. ويعني بالغيب، أنها من خفي أخبار القوم التي لم تطلع أنت يا محمد عليها ولا قومك، ولم يعلمها إلا قليل من أحبار أهل الكتابين ورهبانهم ثم أخبر تعالى ذكره نبيه محمدا (ص) أنه أوحى ذلك إليه حجة على نبوته، وتحقيقا لصدقه، وقطعا منه به عذر منكري رسالته من كفار أهل الكتابين الذين يعلمون أن محمدا لم يصل إلى علم هذه الانباء مع خفائها ولم يدرك معرفتها مع خمولها عند أهلها إلا بإعلام الله ذلك إياه، إذ كان معلوما عندهم أنه محمدا (ص) أمي لا يكتب فيقرأ الكتب فيصل إلى علم ذلك من قبل الكتب، ولا صاحب أهل الكتب فيأخذ علمه من قبلهم.
وأما الغيب: فمصدر من قول القائل: غاب فلان عن كذا، فهو يغيب عنه غيبا وغيبة.
وأما قوله: * (نوحيه إليك) * فإن تأويله: ننزله إليك، وأصل الايحاء: إلقاء الموحي إلى الموحى إليه، وذلك قد يكون بكتاب وإشارة وإيماء وبإلهام وبرسالة، كما قال جل ثناؤه: * (وأوحى ربك إلى النحل) * بمعنى: ألقى ذلك إليها فألهمها، وكما قال: * (وإذ أوحيت إلى الحواريين) * بمعنى: ألقيت إليهم علم ذلك إلهاما، وكما قال الراجز:
أوحى لها القرار فاستقرت بمعنى: ألقى إليها ذلك أمرا، وكما قال جل ثناؤه: * (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة