وقال آخرون: معنى ذلك: وإن يضار كاتب فيكتب غير الذي أملى المملي، ويضار شهيد فيحول شهادته ويغيرها، فإنه فسوق بكم، يعني فإنه كذب. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: * (وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم) * الفسوق: الكذب. قال: هذا فسوق لأنه كذب الكاتب فحول كتابه فكذب، وكذب الشاهد فحول شهادته، فأخبرهم الله أنه كذب.
وقد دللنا فيما مضى على أن المعني بقوله: * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) * إنما معناه:
لا يضارهما المستكتب والمستشهد، بما فيه الكفاية. فقوله: * (وإن تفعلوا) * إنما هو إخبار من يضارهما بحكمه فيهما، وأن من يضارهما فقد عصى ربه وأثم به، وركب ما لا يحل له، وخرج عن طاعة ربه في ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: * (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم) *.
(يعني بقوله جل ثناؤه: * (واتقوا الله) * وخافوا الله أيها المتداينون في الكتاب والشهود أن تضاروهم، وفي غير ذلك من حدود الله أن تضيعوه. ويعني بقوله: * (ويعلمكم الله) * ويبين لكم الواجب لكم وعليكم، فاعملوا به. * (والله بكل شئ عليم) * يعني من أعمالكم وغيرها، يحصيها عليكم ليجازيكم بها.) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: * (ويعلمكم الله) * قال: هذا تعليم علمكموه فخذوا به.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم) * اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته القراء في الأمصار جميعا كاتبا، بمعنى: ولم تجدوا من يكتب لكم كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى فرهان مقبوضة. وقرأ جماعة من المتقدمين: ولم تجدوا كتابا، بمعنى: ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين سبيل، إما بتعذر الدواة والصحيفة، وإما بتعذر الكاتب وإن وجدتم الدواة والصحيفة.